الاثنين، 29 أغسطس 2011

علمائنا الذين أحملهم المسؤولية وأداء الأمانة




رحلة 80 مليار

جلست أمام جهاز التلفاز أشاهد بهدوء وموضوعية ما تقشعر له الأبدان ويحار منه الزمان ويولد علامات تعجب واستفهام، ثمانون مليار ريال ، وما أدراك إلى أين ذهبت الثمانون مليارا، وفي جيوب من عبرت تلك الأرقام لتصل إلى ما صرفت له، مشروع القطار، كلنا نعرف تكلفته الأصلية والشكل الذي عرض قالبه على الملك وكان شبيها بالرصاصة الفولاذية والحضارة اليابانية، والتقنية الأمريكية، والرفاهية الفرنسية، ذو أرقام فلكية، وعندما بدأ تشغيله رأينا بضاعة صينية، لا تشبه الصور المقدمة إلى الملك والسلطات التشريعية، ولا تمت بصلة إلى الأرقام الفلكية التي سحبت من أجل تشغيل هذا القطار الذي وصف من أحد الحجاج بالخارج "عجبت يا جماعة المملكة تشغل هذا النوع من الأجهزة، إحنا ما عندناش فلوس ، بس شغلنا أحسن القطارات، بأقل الأسعار ، حتى لو كان إتاكل منها كتير ، ولكن صرف منها الكثير " عندما سمعت هذه العبارات هززت رأسي ، وقلت لنفسي : ما هو الجديد في الساحة، فهذا ما تعودنا عليه في كل مرة، أرقام فلكية ، وتنفيذ لا يرقى إلى اقل الحضارات تقدما، قالبا من غير قالب، قشور ذهب والقالب من تنك!
أما وفي نفس المجال ، تقف الساعة الرهيبة، ذات الشكل البريطاني الذي ينتمي إلى ساحة بيكنجهام، وليس فوق بيت الله الحرام ، والشعار الذي يعلو الساعة وكأنه محتار إلى أي ثقافة ينتمي ، فشكل الساعة فوق المسجد الحرام بحد ذاته"حرام"، وإن لم يجرؤ أحد من مشايخنا الكرام أن يقوله خوفا من السلطات المحلية والأوامر التنفيذية، فإنني أقولها ووجدت جمهور لا يخاف إلا رب العزة والجلال، إن كل الأشكال الهندسية التي أحيطت بالبيت الحرام ، هي ذات دلالة خطيرة ، لتغطية الكعبة الشريفة عن أعين المعتمرين والحجاج ، وسكان بكة الطيبة، ومرتع لمنتجعات لا تمت بصلة على روحانيات هذا البلد الأمين، ولا لشعائر الحج والعمرة من جهاد وشعور بالانتماء إلى الثقافة الإسلامية والشعائر الدينية التي أمرنا بها بان نزهد في الدنيا وما عليها ونتساوى كخلق أمام الرحمن، وشعائر هذا الدين الحنيف الذي ساوى بين العربي والأعجمي بالتقوى، أما كانوا يسألون أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين عندما كانوا يعتمرون أو يحجون لماذا لا يمتطون الأحصنة ويحملون الخيام ويتزودوا بأحلى الطعام وهم ذاهبون إلى هذه المناسك المقدسة، ألم يكن جوابهما شاف للقلوب الميتة بأنهما يريدا الأجر في كل خطوة مرتجلين الرحلة على الأقدام حتى ينالا الجر والثواب الكاملين، وألم يقولا إنها رحلة الجهاد الأكبر والشعور بالزهد من ما يعكر صفو هذه الرحلة الروحانية ، ألم يطلب الرسول بعدم أخذ أجر مبيت المسلمين الذين يصلون إلى مكة للحج والعمرة  ألم .... ألم.....؟ بينما نحن غارقون في بناء المنتجعات السياحية بمكة، وشوارعها ومن يقطنون بيوتها أو بالأحرى من بقي منهم ين من الجوع وخراب الشوارع والبيوت، والفقر المدقع،ومن لا يصدقني فليأخذ يمنه أو يساره عند وصوله إلى بكة ويجول في أروقة شوارعها، سيرى ما تقشعر له الأبدان من فقر مدقع، وبطون فارغة، وشيوخ وأطفال يئنون من أمراض مستعصية، بينما تؤجر الغرفة في أحد فنادق مكة أمام الحرم بعشرات الألوف، ويعطى لأصحاب العقارات المنزوعة القروش، ويفرضون عليهم القبول وإلا الويل والثبور.
ولنعود إلى مسألة الثمانين مليار التي منها توسعة المسعى، هل من المعقول هذا الرقم الخيالي الذي بتنا نعرف أنه عنوان إحدى الشركات الكبرى التي باتت الوحيدة في الساحة، تأخذ كل المناقصات الحكومية ، وتوزعها في الباطن بأسعارها المعهودة ، وجودة بنائها الذي بتنا نرى نتائجه في كل شوارع المنطقة الغربية ، وأبنية الأماكن المقدسة ونرضى بان نسكت عن هذه المهزلة الأزلية، فبالله عليكم ألا يكفي هذا المبلغ لبناء كل المنطقة الغربية والشرقية، وما جاورها من قارة إفريقية باتت تنام وتستيقظ على الجوع والموت السريع، ونحن نرى هذا المبلغ الرهيب ، يمرر عبر جلسة افتتاح ، ولا أحد يجرؤ أن يتقدم إلى مليكنا الحبيب ونايف الأمين ويقول لهما هذا هو الكذب الرهيب الذي يجب أن يحاسب عليه كل من نفذ واشرف على هذا المشروع الركيك، من قطار مشاعر إلى ساعة لا تنتمي إلى الحضارة الإسلامية ومسعى لا يحتاج إلى هذه الأرقام الخيالية، ثمانون مليار.. لنعدها، فلن نستطيع لأنها مبلغ يكفي لبناء وإشباع كل شعب المملكة العربية السعودية ، ويلغي كلمة فقر من هذه البقعة الجغرافية، وتعلو كلمة الحق التي يجب أن تستعيدها هذه السلطة التنفيذية التي أصبحت متعلقة في كراسيها منذ العهود البدائية الحجرية، لابد من المحاسبة ومساعدة كل بيت وأسرة في هذه البلاد الطيبة ، لتوظف هذه الأرقام الضخمة لأولويات وهي إسكان وإطعام سكان هذه الجزيرة العربية، وليس لتوسيع وتعمير ساعة تشبه أصنام الجاهلية، وأبنية تلغي هوية هذه البقعة الشريفة المكية، وتغطي على أول بيت وضع للإنسان وقطار ينتمي إلى العصور ما قبل الهجرية والصناعية.
من يجرؤ ويقول كلمة الحق لملك الإنسانية، لا صوت لمن تنادي ، وهذا ما تعودت عليه عند كتابة  مقالاتي ،  ولكن يوما ما سيصل الصدى ليصبح أزيزا وعندها ستسمع كلمة الشفافية وتصل إلى مليكنا، وأتمنى أن تكون من خلال علمائنا الذين أحملهم المسؤولية وأداء الأمانة بكل شفافية ومصداقية، فكفانا أكل لحوم البشر وصرف النظر.
همسة الأسبوع
لم يعد للهمس فائدة...
فيجب من الآن أن يكون الهمس رسالة واضحة لكل من له صوت ونخوة إسلامية ، فهذه مسؤولية سنسأل عليها ورسالة سنحاسب عليها .

***************************

لكن الفساد سوقه ماشي!

يُحكى أن الحق والزور كانا يسيران معاً في طريق طويل أو مقمر كما في أغنية أم كلثوم الشهيرة، وفجأة شعر الزور بالتعب فقال للحق: لقد تعبت يا عزيزي الحق، هل تسمح لي أن أركبك؟! فغضب الحق وصرخ في وجه الزور: هل جننت؟ أنا الحق.. أنا من يعلو وإن كان ولا بد فأنا الأجدر بالركوب، فرد عليه الزور: حسناً لنتحاكم إلى البشر في القرية القادمة، وحين وصلا إلى القرية وجدا أن الناس متفقون أن الحق هو الأحق بالركوب، ومنذ ذلك الحين خرجت الخلاصة الحياتية التي تقول (الحق راكب لكن الزور هو اللي ماشي).
تذكرت هذه الحكاية الشعبية القديمة خلال دورة تدريبية حضرتها، ولاحظت أن المدرب يتساهل مع الجميع في الحضور والغياب والتأخر، وبما أنني لا أستسيغ الغياب أو التأخر، وخصوصاً أنني اجتهد لترويج نفسي فقد بدأت التفكير في حصتي من الغياب على وزن التوزيع العادل للفساد، وتماهياً مع "المرحلة" طرأت أفكار جديدة في المكان. فبدلاً من الحضور تمام الثامنة استطيع الاستمتاع بقهوتي الصباحية، وقراءة المزيد من الصحف والمغادرة باكراً قبل نهاية الدوام الرسمي لشرب المزيد من القهوة مثلاً، تركت لنفسي مطلق الحرية في التصرف لأكتشف الطبع الإنساني، فثمة مبرر يقوي موقفي هو أن الجميع يتغيبون ويتأخرون.. إلخ، لا شيء يردع الفوضى والفساد والغياب والزور سوى القانون، ولكن السر ليس في وجوده فقط بل في تطبيقه.
في الحكاية تحول الحق إلى شيء جامد كسول وغير متحرك.. موجود ولكنه غير موجود، بينما نجد أن الزور هو الذي يمشي ويتحرك وينجز حتى لو حاربه سكان القرية وتحيزوا للحق ضده.
في التجربة السعودية صدر قرار بتشكيل الهيئة الوطنية لمكافة الفساد، الهيئة هي خامس أو سـادس مؤسسة حكومية في مجالها بعد ديوان المراقبة العامة والمباحث الإدارية وهيئة الرقابة والتحقيق وجمعية حماية المستهلك، بالإضافة إلى أقسام الرقابة والمتابعة الملحقة بوزارتي المالية والتجارة، وكذلك الإدارات القانونية في الوزارات ومؤسسات الدولة ولجان تقصي الحقائق، أي أننا ببساطة لا نعاني من انتفاء قانون يحارب الفساد ويجرمه، بل بالعكس أتمنى على هذه الهيئة أن تطـول فترة صمتها وأن تركز على إستراتيجية لتعزيـز سيادة القانون وتطبيقه، وأن تنزل وتمشي وتتحرك بين الناس كما كان الحق يفعل قبل ركوبه وتكاسله.

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

كم من خطأ اعتدنا عليه وصار أصوب من الصواب .. وندافع عنه لأنه من عاداتنا ؟!







الإثنين 22/08/2011
محمد الرطيان
(1)
تقول الحكاية : أن حاكم إحدى البلاد البعيدة ، أصابه مرض خطير، فلم يجد الأطباء لعلاجه سوى قطع أنفه ! .. استسلم الحاكم لأمر الأطباء وقاموا بإجراء اللازم .. وبعد أن تعافى ، ونظر إلى وجهه البشع دون أنف ، وليخرج من هذا الموقف المحرج ، أمر وزيره وكبار موظفيه بقطع أنوفهم ، وكل مسئول منهم صار يأمر من هو أدنى منه مرتبة بأن يقوم بقطع أنفه .. إلى أن وصلت كافة موظفي الدولة ، وكل منهم عندما يذهب إلى بيته صار يأمر زوجته وكل فرد من أهل بيته بقطع أنفه .
مع مرور الوقت صار هذا الأمر عادة ، وجزءا من ملامح أهل هذه البلدة .. فما أن يُولد مولود جديد – ذكرا أو أنثى – إلا ويكون أول اجراء بعد قطع حبله السري هو قطع أنفه !
بعد سنوات مرّ أحد الغرباء على هذه البلدة .. وكان ينظر إليه الجميع على أنه قبيح وشاذ لأن له شيئا يتدلى من وجهه .. هو أنفه السليم !!
(2)
بحكم السلطة ، وبحكم العادة التي صارت جزءا من شكل ذلك المجتمع الصغير ، وتلك البلدة النائية :
ـ صار الخطأ صوابا .. وصار الصواب خطأ .
ـ مع مرور الوقت تشكلت قوانين جمالية جديدة ترى أن مقطوع الأنف هو الأجمل !..وصار هناك مقاييس أخرى للجمال .. وكذلك للقبح .
ـ أي شخص يأتي من العالم الخارجي – أنفه سليم – هو شخص شاذ !

(3)
فكروا بهذه الحكاية الأسطورية / الساخرة ، واسألوا أنفسكم بعض الأسئلة :
هل فقدنا أنوفنا ؟.. هل فقدنا شيئاً آخر .. الألسن مثلاً ؟!
كم من خطأ اعتدنا عليه وصار أصوب من الصواب .. وندافع عنه لأنه من عاداتنا ؟!
كم من شيء نراه ( شاذاً ) فقط لأنه ليس منا ومن عاداتنا ؟
كم من شيء ندافع عنه وبحماسة .. فقط لأنه من ( أخطائنا ) القومية ؟!
هل أخطاؤنا – لأنها أخطاءنا الشخصية – هي أهم من صواب الغريب ؟!

(4)
عزيزي القارئ :
تحسّس أنفك .. تحسّس عقلك !
واسأل نفسك : كم من الأشياء تم قطعها منك .. وعنك ؟
انظر حولك ، وحاول أن تكتشف الأخطاء التي توارثتها من الأسلاف ، وتتعامل معها بشكل شبه يومي كإرث عائلي يجب المحافظة عليه .
فكك الأشياء ..
أخرجها من دولاب العادة والمألوف ..
وضعها على طاولة العقل الناقد ، وأعد بناء علاقتك معها من جديد .
واستعد حاسة الشم .. والتفكير !



**************************

عادات وتقاليد.......ولكن وجدنا آباءنا وأجدادنا


مجموعة من العلماء و ضعوا 5 قرود في قفص واحد و في وسط القفص ووضعوا سلم وفي أعلاه وضعوا بعض الموز
Now, the moment monkeys saw the banana on top, they tried to climb up the ladder and grab the banana.  But what the scientists did was, the moment any monkey tried going up the ladder, they would shower freezing cold water on rest of the four monkeys.
في كل مرة يطلع أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد
After a few cold shower, the monkeys understood that they are subjected to the cold showers only when any of them try to go up the ladder.  So next time any monkey tried going up the ladder, the rest of them would beat him black and blue!
بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يطلع لأخذ الموز، يقوم الباقين بمنعه و ضربه حتى لا يرتشون بالماء البارد
After several beatings, every monkey gave up tried going up the ladder, even after having the temptation of the bunch of bananas right in front of their eyes!
بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز، على الرغم من كل الإغراءات خوفا من الضرب
Now the scientists brought a change in the setup.  A monkey from the set of five, was replaced with a new monkey.  This new monkey, the moment saw the bunch of bananas, tried to go up the ladder and grab it!
بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة و يضعوا مكانه قرد جديد
فأول شيء يقوم به القرد الجديد أنه يصعد السلم ليأخذ الموز
Upon this, as per the usual practice, rest of the four monkeys gave him a severe beating!  After couple of such beatings, the new monkey also gave up trying going up the ladder and grab the bananas, without ever knowing why he was being beaten for going up the ladder and grabbing the bananas..
ولكن فورا الأربعة الباقين يضربونه و يجبرونه على النزول
بعد عدة مرات من الضرب يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب
Now the scientists made more changes and replaced one of the old four monkeys with a new one.  This time, same as the last time, first thing the new monkey did was to try going up the ladder and grab the banana!  But upon this, he was severely bashed.  This time, even our last replaced monkey, joined in beating the new monkey.  Neither the new monkey knew why he was being beaten on trying to go up the ladder, nor our last replaced monkey knew why he is beating the new monkey on trying to climb up the ladder!
قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد و حل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب و هو لا يدري لماذا يضرب

Going ahead with the experiment, the scientists kept replacing old monkeys with new ones and every time the beating was repeated.
و هكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة
After some time what was left was a group of five monkeys who never received a cold shower but which never tried climbing up the ladder to grab the bananas and kept beating any monkey who triedclimbing up the ladder and grab the bananas!
حتى صار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء بارد أبدا
و مع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا ما السبب

If it was ever possible to ask these five monkeys why they beat any other monkey who try to go up the ladder and grab the bananas, I'm sure the answer would be.. “I don't know... but that's how things are done over here!
لو سألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يصعد السلم؟ 
أكيد سيكون الجواب: لا ندري ولكن وجدنا آباءنا وأجدادنا له هكذا

"عادات وتقاليد"

In life, most of the time we would encounter people, at work, among friends, peers, even family members, who would throw their solid fist on you every time you try to go up the ladder, without anyjustifiable reason or point! But unfortunately... “That's how things are done around here!”

We have a choice... either we can continue being a monkey and go on with bashing and beating.. or stop being one and start climbing the up the ladder!!
نحن نملك قرارنا.... إما أن نصبح قرده ويتم فيه ضربنا وتخلفنا... أو إما نقف عن صمتنا ونبدأ صعود السلم!!

Only two things are infinite.. the Universe and Human Stupidity, and I'm not so sure of the former!” -Albert Einstein.
هكذا قال أينشتاين
هناك شيئين لا حدود لهما ... العلَم و غباء الإنسان

وهو مايطبّق وليس له سبب معروف اجتماعيا أو دينيا أو ماشابه

عملياً هذا ما نطبقه نحن في أعمالنا وحياتنا اليومية 
نبقى في الروتين خوفاً من التغيير

(حاول أن تغير وتتغير حتى تشعر بلذة الحياة)
************



على شارعين
ليلة هروب البطانة !  
خلف الحربي
لسنوات طويلة، بقي الناس في بعض دول العالم العربي يتحدثون عن مجتمع افتراضي اسمه (البطانة)، ويحملونه كل أخطاء السلطة، وينسبون إليه كل أسباب الفساد والفقر والبطالة، وهم يفعلون ذلك إما بدافع الخوف من تسمية الأشياء بمسمياتها، أو لأنهم يحسنون الظن بحكامهم ويظنون المظالم تحدث دون علم منهم، وهكذا بقيت البطانة وصفا مجازيا لأشخاص بلا أسماء ولا وجوه، حتى جاءت ثورتا الشباب في تونس ومصر واللتان نجح خلالهما الشباب الأحرار في خلع الثوب الحريري الفاخر، فظهرت البطانة الفاسدة إلى العلن.
فقد اتضح بعد ثورتي تونس ومصر أن البطانة هي خليط عجيب من رجال الأعمال والضباط والمسؤولين والبرلمانيين والأصهار والجلساء الذين كونوا ثروات طائلة من العدم وبنوا ناطحات السحاب من عظام المسحوقين، وإذا كان الرئيس في الأنظمة الديمقراطية يحيط به مجموعة من المساعدين والمستشارين، فإن البطانة شيء آخر تماما، فهي موجودة فقط في الأنظمة غير الديمقراطية، وتتولى أحيانا مهمة اختيار مساعدي الرئيس ومستشاريه في أحيان أخرى ترقي الانتهازيين من هذا الطاقم الاستشاري وتدخلهم في دائرة البطانة.
عموما، لقد نجح هذا الخليط العجيب الذي يسمى بالبطانة في عزل الرئيس عن شعبه وتقديم معلومات مظللة له، وحاز أغلبهم على ثقته المطلقة حتى أصبحوا عينه التي يرى بها العالم خارج قصره، وبالطبع لم يتردد هؤلاء في نهب ثروات البلاد والتضييق على العباد والمساهمة في تعميق مشاعر الكراهية تجاه النظام السياسي، حتى جاءت لحظة الانفجار، وخرج الناس إلى الشوارع ليخلعوا الرئيس الذي وضعهم تحت رحمة هذه البطانة الفاسدة المتوحشة، وكم كانت صدمة هذا الرئيس كبيرة حين بحث عنهم في هذه اللحظة العصيبة ليكتشف أنهم طاروا بملياراتهم إلى أوربا، وتركوه وحيدا يواجه الجماهير الغاضبة وهو عارٍ تماما.. لا ثوب يستر استبداده المكشوف، ولا بطانة تقيه من رياح التغيير العاتية.
وفي اللحظة التي لا ينفع فيها الندم يقول الرئيس المحاصر لنفسه: لولاهم لما وجد الفقر ولما تفشى الفساد ولما انتشرت البطالة، لو اشتريت بالمليارات التي هربوها أرغفة خبز لما زحف هؤلاء الجياع باتجاه قصري، لو لم تتلاعب شركاتهم بالقوانين التي وضعتها بنفسي لما أصيبت التنمية في مقتل، لو لم ينقلوا لي معلومات خاطئة عن حقيقة الشارع لما اضطررت للخروج على شاشة التلفزيون كي أقول للناس: (الآن فهمتكم)!.
ولعل المصيبة الكبرى التي تعيشها بعض دول العالم العربي اليوم أن البطانة أصبح لها بطانة!، بل وحتى بطانة البطانة لها بطانة!، لذلك يجد الحاكم نفسه مسؤولا عن مجموعة من (البطانات) التي لا يعلم عنها شيئا، فترتكب العديد من الجرائم تحت رعايته الاسمية، رغم أنه في بعض الأحيان قد لا يقبل بحدوثها، وحتى حين يحاول الإصلاح وتغيير الواقع فإنه يفشل في تحقيق أية خطوة مؤثرة، لأنه يسلم قراره للبطانة، والبطانة تمرر المشروع لسلسلة من البطانات المتتابعة، فيصبح المشروع مجرد عنوان كبير ليس له أي وجود على أرض الواقع.
وأخطر ما في الأمر أن البطانة تتغلغل في الجلد، حتى تأتي اللحظة التي لا يستطيع فيها الحاكم التخلص منها، لأنه لا يستطيع سلخ جلده، وشيئا فشيئا، تتغير المعادلة فيصبح تابعا للبطانة بعد أن كانت تتبعه، فهي حتى وإن كانت خاضعة له في العلن فأنه يصبح مضطرا للخضوع لرغباتها ونزواتها في الخفاء، ويسمى ذلك بسياسة التوازنات بين مراكز القوى، وفي نهاية الفيلم الطويل يكتشف أنه منحهم المال والنفوذ كي يدمروا حكمه!.


*****************

يا رب ولد !


محمد الرطيان   |  17-08-2011 02:41

(1)
منذ عقود ، و " الأمة العربية " تعاني من العقم السياسي ..
أتى " الربيع العربي " وابتهجنا بالحمل / الحلم !
الأنظمة العربية ، وفي أيامه الأولى ، ابتسمت بسخرية ، وقالت : حمل كاذب !
المتشائمون قالوا : الأمة دخلت سن اليأس ومن المستحيل أن تحمل .
الحالمون قالوا : مهما كبرت .. تظل صبيّة .. وولاّدة .
المتشككون قالوا : لعلّه " طفل أنابيب " ! .. لعل بعض الأطباء الغربيين شارك في صناعته وزراعته في الرحم العربي !
أحدهم ينظر بنصف عين ويقول : عرفنا الأم .. من هو الأب الذي قام ...؟.. دخيل الله لا تقولوا الفيسبوك !
يرد عليه فتى ً في العشرين : الفيسبوك – يا أخا العرب – جدار إلكتروني .. البعض يرسم عليه لوحة جنسية ، ونحن كتبنا عليه لافتة الحرية .

(2)
الذكوريون من المحافظين ، وبعد أن تأكدوا من حقيقة هذا الحمل ، قالوا : يا رب ولد !.. لهذا ينظرون بريبة لمفردات مثل " حريّة " و " مدنية " لأنها مؤنثة وتوحي بأن المولود أنثى .

(3)
منذ أول يوم ، وبعد سبعة أشهر ، من إذاعة خبر حمل " الأمة العربية " وهي تعاني من آلام الحمل وكل ما يصاحبه من مشقة :
حاولوا قتل الجنين بكل الطرق ..
شككوا بهويته ..
قالوا أنه سيولد مشوّهاً ..
شككوا بشرف الأم !..
ولكن ، وبقدرة ربك سبحانه ، ثم بجهود الذين آمنوا بهذا الحمل / الحلم .. ما يزال الجنين بخير .
والطفل سيولد .. رغم كل الأنوف سيولد ، وليس هذا هو المهم .. المهم : كيف ستتم تربية هذا الطفل ، هل سيرضع حليب الحرية ، هل سيحمل الأسماء التي نحبها ، هل سيطول مخاض الولادة ، هل أمه / الأمة ستجيد تربية هذا الطفل الساحر الباهر ؟.. أم أنه سيُنزع من بين يديها بحجة تربيته بشكل أكثر معاصرة وحداثة ، أو يُرمى عند باب جامع ؟!!

(4)
الطفل سيولد .. هذا ما يؤمن به حتى الحُكماء من الحُكام .
وهذا ما فعلته مملكة المغرب :
استعدت لاستقباله ، وهيأت له غرفة في المنزل ، واشترت له الملابس الجميلة ، وصنعت له سريراً رائعاً .. وقالت للشعب : تعالوا لنختار له اسما .

(5)
أيا كان شكل هذا المولود ، ومهما كانت ملامحه ..
أكاد أجزم أنه أجمل ألف مرة من هذا العجوز القبيح الذي يسمونه " النظام العربي "
 !

*********************

لا في الأرض ولا في السما!
خلف الحربي
الأخ أبو مؤيد من مكة يقول إن مكتب الخطوط السعودية أمام الحرم المكي لا يستوعب الأعداد الهائلة من المعتمرين وإذا نجح أحدهم في العثور على موقع قدم فإنه لن يجد حجزا ويضيف «ما عندهم مكان لا في الأرض ولا السما.. ياليت يوسعون مكتبهم ويزيدون رحلاتهم».
**
أحد الإخوة القراء ذكرني بهيئة مكافحة الفساد حين أرسل شاكيا من عدم عثوره على أي عنوان للهيئة كي يسلمها بعض المستندات حيث لم يستطع العثور عليها لا في الأرض ولافي السماء.. على أية حال أنصح الهيئة الجديدة أن تطلب من موظفيها «إذا كان لديها موظفون» حضور جلسات محاكمة المتسببين في كارثة جدة والاطلاع على كل تفاصيل القضية لأن مثل هذه الخطوة تعد دورة مكثفة في فنون الفساد الإداري.
**
قارئ مقهور أرسل نسخة من خطاب اعتذار شركة الزيت العربية (أرامكو السعودية) عن توظيفه لوجود مخالفات مرورية في سجله وهو يرى في هذا الخطاب زحلقة مبتكرة بعد أن استكمل كل الشروط!
**
خريجات رياض الأطفال لم يجدن وظائف لا في الأرض ولا في السماء، وحين جاء الفرج بعد الأمر الملكي المتعلق بالوظائف التعليمية صدمن بتعيين معلمات الابتدائي في رياض الأطفال فأطلقن حملة «نحن أحق بتخصصنا» على الفيس بوك.
**
يقول في رسالته «قمت بطلب تمويل بنكي وسددت القرض بعد أربع سنوات وحين جئت إلى البنك للحصول على إخلاء طرف والانتقال إلى بنك آخر اكتشفت أن البنك أصدر لي بطاقة ائتمان دون علمي ويخصم رسومها بشكل منتظم.. باختصار البنك الذي نأتمنه على حلالنا يسرقنا!». 

******************
من هو المسؤول وما هي حدود مسؤوليته؟ 

شاهر النهاري



قد يختلف البعض في تعريف كلمة مسؤول، لأنها في المفهوم العام ترتبط دومًا بالسلطة، ولكنها لغويًا: آتية من الفعل سأل، وهي تعني من كان في وضع السؤال والمساءلة. أما مصطلحًا: فإنها تعني الوضع المنطقي، الذي يتوجب فيه على الفاعل أن يكون مسائلاً عن أفعاله، أي يقر بأنها مسؤوليته، وأنه يتحمل نتائجها لتبعيتها له، كتبعية تُلزمُ عن الفعل.

والإنسان بطبيعته البدائية، أو المتحورة، أخلاقي الصبغة، وبحكم أفعاله فهو مكلف يشعر بالإلزام أمام نفسه، وأمام غيره مما يجعلنا نصفه بأنه مسؤول، ومما يجعل جميع الأديان والقوانين والأعراف تحكم عليه وتعاقبه من خلال ذلك. 

فتقع عليه المسؤولية من عدة نواحٍ، أولها الناحية الأخلاقية: وهذه تكون مرهونة بقدر ونقاء وكيف ما يمتلكه من أخلاق، ومدى قدرته على التمسك بها وتطبيقها، مهما كان الأمر منهكًا أو مغريًا، ورفضه عن التخلي عنها بدوافع ذاتية، وقيم خارجية، والعقاب هنا يكون من نفسه لنفسه، إذا كان ضميره حيًا. 

وثانيها أن تكون المسؤولية اجتماعية: مرهونة بالعرف الاجتماعي، وهنا يكون الإنسان أمام سلطة المجتمع، والتي تحاكمه علنًا وبشكل عفوي مباشر، فإما أن يقوم بمسؤوليته، وأما أن يتخلى عنها لمن يتمكن من ذلك. 

وثالثها المسؤولية الموضوعية، الخارجية: والتي يكون أساسها مرتبطًا بنتيجة الفعل بالدرجة الأولى، وخاصة في المسؤولية المدنية والقانونية، التي تنظر إلى الضرر الحاصل، وتوقع على مرتكبه الجزاء المادي كالتعويض أو القصاص أو كلاهما بشكل عقاب على شخص يفترض أن يكون مسؤولاً عن عمله. 

والعقاب للشخص المسؤول، يعتمد على مدى أهليته للعقاب، بأن يكون عاقلاً بالغًا أثناء توليه المسؤولية، وأن يكون حرًا، لم يتم إجباره أو تهديده من سلطة أعلى بالقيام بذلك الفعل. 

كما أن العقوبة تحدد حسب مقدار ومحيط الضرر، فالمسؤول عن شخص، لا يكون عقابه مثل المسؤول عن شخصين، حيث إن المسؤولية تكبر، والعقاب يزداد بحسب مساحة الضرر. 

وفي المجتمعات المتخلفة، نجد أن المسؤولية تعطى تلقائيًا وبكامل تبعاتها للمسؤول، والذي يمتلك السلطة العليا، مهما كان غير ملم ولا ملتزم، ولا متخصص. 

وتفترض عين المجتمع أنه هو الأكثر قدرة وفهمًا ومعرفة وحكمة، والطامة الكبرى لو فهم هو كذلك. 

فنجد المسؤول الكبير، وهو يفتتح أحد المشاريع، يقوم بانتقاد جزئية هندسية معقدة، وبلمح البصر يتم تعديلها حسب مرئياته الآنية، مهما كانت تكلفتها، ومهما كانت عملية إنشائها قد تمت بعد دراسات مطولة متعمقة، من أخصائيين وخبراء. 

وفي مثل هذه الحالة تقع المسؤولية في التغيير، وعند حدوث الضرر، على الجهة المنفذة، مع العلم أن التغيير تم بسلطة المسؤول، ونقده العلني، وتأكيده على النفاذ. 

عليه فمن المفترض أن تكون المسؤولية وسيلة، وليست هدفاً، وأن تكون محددة المجالات، بدلاً من تركها منفتحة لبعض الأشخاص ممن لا يتمكنون من الإيفاء بحقوقها كما يجب. 

المسؤولية في المنزل الأسري، يجب أن تُقسم على جميع أفراد الأسرة، ليشعروا بأهمية تواجدهم في هذا المنزل، ومدى التصاقهم به، وليتمكنوا من تحديد وجود الخلل ومصدره، ومعالجته بطرق عقلانية، فليس من المعقول أن يكون رب الأسرة مسؤولاً عن كل صغيرة وكبيرة، حتى عن نقص المئونة من صنف معين، وأن تكون الزوجة خارج المساءلة والمحاسبة، ومن غير المعقول أن يكون الأب مسؤولاً عن ترك أحد الأبواب مفتوحًا بالليل، على يد طفل لم يتعلم كيف يكون مسؤولاً عن ذلك، وعن مدى إضراره بكامل المنزل. 

وما يطبق في البيت، يجب أن يطبق أيضًا في الحي، والمجتمع، وفي الشارع. فمسؤولية السائق أن يتبع بكل حرص ودقة قوانين المرور، حتى لا يجبر غيره من المشاة والسائقين، على ارتكاب الأخطاء. 

وينطبق ذلك على نظام وهيكلية الحكومات، ونظام الدول، فكلما وزعت المسؤوليات على الكفاءات، والمختصين، مرت الأمور بسلام وبدون كوارث، ولا بعقاب لمسؤول، ولا بضياع لمتسبب في فساد، أو مظلمة. 

إنها ملحمة مسؤوليات متداخلة، متناسقة منظمة، والإخلال في جزء بسيط منها ولا شك سيؤدي لكارثة ضياع المسؤولية. 

http://www.al-jazirah.com/20110818/cu14d.htm

الاثنين، 15 أغسطس 2011

هدية خاصة : الى كل معلم و معلمة


دكتور ستودارد
بسم الله الرحمن الرحيم
المعلمة



حين وقفت المعلمة أمام الصف الخامس في أول يوم تستأنف فيه الدراسة، وألقت على مسامع التلاميذ جملة لطيفة تجاملهم بها، نظرت لتلاميذها وقالت لهم: إنني أحبكم جميعاً، هكذا كما يفعل جميع المعلمين والمعلمات، ولكنها كانت تستثني في نفسها تلميذاً يجلس في الصف الأمامي، يدعى تيدي ستودارد.
لقد راقبت السيدة تومسون الطفل تيدي خلال العام السابق، ولاحظت أنه لا يلعب مع بقية الأطفال، وأن ملابسه دائماً متسخة، وأنه دائماً يحتاج إلى حمام، بالإضافة إلى أنه يبدو شخصاً غير مبهج، وقد بلغ الأمر أن السيدة تومسون كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر عريض الخط، وتضع عليها علامات x بخط عريض، وبعد ذلك تكتب عبارة "راسب" في أعلى تلك الأوراق.
وفي المدرسة التي كانت تعمل فيها السيدة تومسون، كان يطلب منها مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ، فكانت تضع سجل الدرجات الخاص بتيدي في النهاية. وبينما كانت تراجع ملفه فوجئت بشيء ما!!
لقد كتب معلم تيدي في الصف الأول الابتدائي ما يلي: "تيدي طفل ذكي ويتمتع بروح مرحة. إنه يؤدي عمله بعناية واهتمام، وبطريقة منظمة، كما أنه يتمتع بدماثة الأخلاق".
وكتب عنه معلمه في الصف الثاني: "تيدي تلميذ نجيب، ومحبوب لدى زملائه في الصف، ولكنه منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض عضال، مما جعل الحياة في المنزل تسودها المعاناة والمشقة والتعب".
أما معلمه في الصف الثالث فقد كتب عنه: "لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه.. لقد حاول الاجتهاد، وبذل أقصى ما يملك من جهود، ولكن والده لم يكن مهتماً، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات".
بينما كتب عنه معلمه في الصف الرابع: "تيدي تلميذ منطو على نفسه، ولا يبدي الكثير من الرغبة في الدراسة، وليس لديه الكثير من الأصدقاء، وفي بعض الأحيان ينام أثناء الدرس".
وهنا أدركت السيدة تومسون المشكلة، فشعرت بالخجل والاستحياء من نفسها على ما بدر منها، وقد تأزم موقفها إلى الأسوأ عندما أحضر لها تلاميذها هدايا عيد الميلاد ملفوفة في أشرطة جميلة وورق براق، ما عدا تيدي. فقد كانت الهدية التي تقدم بها لها في ذلك اليوم ملفوفة بسماجة وعدم انتظام، في ورق داكن اللون، مأخوذ من كيس من الأكياس التي توضع فيها الأغراض من بقالة، وقد تألمت السيدة تومسون وهي تفتح هدية تيدي، وانفجر بعض التلاميذ بالضحك عندما وجدت فيها عقداً مؤلفاً من ماسات مزيفة ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع فقط.. ولكن سرعان ما كف أولئك التلاميذ عن الضحك عندما عبَّرت السيدة تومسون عن إعجابها الشديد بجمال ذلك العقد ثم لبسته على عنقها ووضعت قطرات من العطر على معصمها. ولم يذهب تيدي بعد الدراسة إلى منزله في ذلك اليوم. بل انتظر قليلاً من الوقت ليقابل السيدة تومسون ويقول لها: إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي! !
وعندما غادر التلاميذ المدرسة، انفجرت السيدة تومسون في البكاء لمدة ساعة على الأقل، لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!، ومنذ ذلك اليوم توقفت عن تدريس القراءة، والكتابة، والحساب، وبدأت بتدريس الأطفال المواد كافة "معلمة فصل"، وقد أولت السيدة تومسون اهتماماً خاصاً لتيدي، وحينما بدأت التركيز عليه بدأ عقله يستعيد نشاطه، وكلما شجعته كانت استجابته أسرع، وبنهاية السنة الدراسية، أصبح تيدي من أكثر التلاميذ تميزاً في الفصل، وأبرزهم ذكاء، وأصبح أحد التلايمذ المدللين عندها.
وبعد مضي عام وجدت السيدة تومسون مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي، يقول لها فيها: "إنها أفضل معلمة قابلها في حياته".
مضت ست سنوات دون أن تتلقى أي مذكرة أخرى منه. ثم بعد ذلك كتب لها أنه أكمل المرحلة الثانوية، وأحرز المرتبة الثالثة في فصله، وأنها حتى الآن مازالت تحتل مكانة أفضل معلمة قابلها طيلة حياته.
وبعد انقضاء أربع سنوات على ذلك، تلقت خطاباً آخر منه يقول لها فيه: "إن الأشياء أصبحت صعبة، وإنه مقيم في الكلية لا يبرحها، وإنه سوف يتخرج قريباً من الجامعة بدرجة الشرف الأولى، وأكد لها كذلك في هذه الرسالة أنها أفضل وأحب معلمة عنده حتى الآن".
وبعد أربع سنوات أخرى، تلقت خطاباً آخر منه، وفي هذه المرة أوضح لها أنه بعد أن حصل على درجة البكالوريوس، قرر أن يتقدم قليلاً في الدراسة، وأكد لها مرة أخرى أنها أفضل وأحب معلمة قابلته طوال حياته، ولكن هذه المرة كان اسمه طويلاً بعض الشيء، دكتور ثيودور إف. ستودارد!!
لم تتوقف القصة عند هذا الحد، لقد جاءها خطاب آخر منه في ذلك الربيع، يقول فيه: "إنه قابل فتاة، وأنه سوف يتزوجها، وكما سبق أن أخبرها بأن والده قد توفي قبل عامين، وطلب منها أن تأتي لتجلس مكان والدته في حفل زواجه، وقد وافقت السيدة تومسون على ذلك"، والعجيب في الأمر أنها كانت ترتدي العقد نفسه الذي أهداه لها في عيد الميلاد منذ سنوات طويلة مضت، والذي كانت إحدى أحجاره ناقصة، والأكثر من ذلك أنه تأكد من تعطّرها بالعطر نفسه الذي ذَكّرهُ بأمه في آخر عيد ميلاد!!
واحتضن كل منهما الآخر، وهمس (دكتور ستودارد) في أذن السيدة تومسون قائلاً لها، أشكرك على ثقتك فيّ، وأشكرك أجزل الشكر على أن جعلتيني أشعر بأنني مهم، وأنني يمكن أن أكون مبرزاً ومتميزاً.
فردت عليه السيدة تومسون والدموع تملأ عينيها: أنت مخطئ، لقد كنت أنت من علمني كيف أكون معلمة مبرزة ومتميزة، لم أكن أعرف كيف أعلِّم، حتى قابلتك.
(تيدي ستودارد هو الطبيب الشهير الذي لديه جناح باسم مركز "ستودارد" لعلاج السرطان في مستشفى ميثوددست في ديس مونتيس ولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعد من أفضل مراكز العلاج ليس في الولاية نفسها وإنما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية).
إن الحياة ملأى بالقصص والأحداث التي إن تأملنا فيها أفادتنا حكمة واعتباراً
. والعاقل لا ينخدع بالقشور عن اللباب،
ولا بالمظهر عن المخبر،
ولا بالشكل عن المضمون.
يجب ألا تتسرع في إصدار الأحكام،
وأن تسبر غور ما ترى،
خاصة إذا كان الذي أمامك نفساً إنسانية بعيدة الأغوار،
مليئة بالعواطف،
والمشاعر،
والأحاسيس،
والأهواء،
والأفكار. و الى اللقاء

الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

تقرير يدعم رأئي من قبل حول "عمرة رمضان"


هل هي «عادة» أم تنافس على الخير أم مع الآخر؟

«عمرة رمضان».. زحمة و«تفويت فرصة» على آخرين!

 
جدة - منى الحيدري
    يحرص كثير من العوائل على أداء العمرة والإقامة لبضع أيام في جنبات الحرم المكي؛ لتمتع بروحانية ونفحات الأيام المباركة خلال شهر رمضان المبارك؛ ما قد يفوت الفرصة على آخرين من إقامة هذا المشعر، والتسبب في زيادة مساحة الازدحام وتعريض حياة المسنين والمرضي وذوي الاحتياجات الخاصة للخطر، كما قد ينتج عنه حدوث بعض الأخطاء نتيجة الجهل بها.
من خلال هذا التقرير حاولنا تسليط الضوء على "عمرة رمضان"، ومعرفة آراء من يحرصون على تأدية العمرة لأكثر من مرة والرأي الشرعي في ذلك.
تنافس على العمرة
البداية كانت مع الأستاذ "سعد المالكي" الذي يحرص على الذهاب يومياً من مدينة جدة إلى مكة المكرمة لأداء صلاة العشاء والتراويح والطواف حول البيت العتيق، معتبراً ذلك واجب اعتاد على القيام به منذ أكثر من عشرين عاماً؛ من دون أن يضر أو يعيق أحدا من المصلين أبداً، فمساحة الحرم المكي الشريف "على حد قوله" تتسع للآف المصلين، مشيراً إلى أنه وزملاءه يتنافسون على عدد المرات التي يقومون فيها بأداء العمرة على اعتبار أن أجرها كبير في رمضان.
عمرة بالنيابة
وتحرص "أم عبدالله" على الإقامة في الحرم المكي في العشر الآواخر من رمضان بغرض الاعتكاف هي ومجموعة من صديقاتها، وتقول في ذات السياق: "لا أجد ضرر من الاعتكاف وأداء العمرة التي أحرص على تأديتها كلما سنحت الفرصة لي بالنيابة عن والدتي المتوفاة وجدتي وإحدى صديقاتي المقربات، والتي تعد بمثابة أداء فريضة الحج مع سيد الخلق".
وترفض الأستاذة "هيام القحطاني" كل المظاهر السلبية التي تحدث في شهر رمضان المبارك من بعض المعتمرين، التي منها الافتراش بين ممرات الحرم والنوم وإحضار أطفالهم الصغار الرضع وإزعاج الناس بأصواتهم وقت أداء الصلاة.
الأصل عمرة واحدة
من جانبه أكد "د. عبدالله الجفن" أن أخذ العمرة في رمضان مرتين لم يعمل بها رسول الله ولا أصحابه، بل أنه عليه السلام عمل عمرتين في سنة واحدة، والصحيح أن العمرة تؤخذ في سنة، وأن الذي يحصل من تكرار العمرة مرتين للإنسان لنفسه فإن ذلك لا ينبغي، إلاّ إذا كانت لميت يحتاج لهذا الأمر فالعمرة يجوز الإنابة فيها.
وقال: "أما بالنسبة إلى من يعتقد أن العمرة أكثر من مرة فيها ثواب، بالعكس فإن ذلك سبب للازدحام، وربما يكون سبب لإحجام بعض عن أداء العمرة حتى لا يضيق على المسلمين فالمؤمن يجب أن يتفطن لما جاء به الشرع وألا يزيد فيما جاء فيه"، مؤكداً على أن ثواب العمرة العظيم في رمضان والتي نص عليها الشرع وأنها تعادل حجة كما ورد عن رسول الله لم يكن المقصود بها تكرارها أكثر من مرة، وإنما المقصود أخذها لمرة واحدة فقط، والرسول عليه السلام أدى العمرة أربع مرات في شهر ذي القعدة وقد توافقت متتالية. وأشار إلى أن السلبيات التي تحدث من بعض المعتمرين مثل النوم والافتراش في مكان يفترض فيه أن يكون للعبادة وهذا العمل غير لائق بالمسلمين، موضحاً أن الدولة تسعى لمكافحة هذه السلوكيات الخاطئة، كما يجب أن يتبع الجميع التنظيمات المعمول بها.
وقال إن بعض المعتمرين يقعون في أخطاء أثناء أدائهم للعمرة فهم لا يسألون قبل البدء في العبادة حتى يتجنبوا بعض الأخطاء التي قد تحدث، والتي وللأسف يكتشفوها بعد أن يسألوا عنها، وذلك بعد الانتهاء من أداء العمرة؛ فالمسلم ينبغي أن يكون عالما بالعبادة التي ينوي أداءها، فهو يفعل مثلما يفعل الناس من حوله.
مخالفات واضحة
وذكر "د. الجفن" على سبيل المثال بعض من تلك المخالفات تقصير الشعر للرجال قبل الإحلال؛ فبعضهم يأخذ من كل جانب ويحل عمرته، بل يجب أن يعم تعميماً ولو أخذ برأس الإبرة من كل شعرة، أو أن يحلق شعره كاملاً، وينبغي أن يطوف ويسعى سبعة أشواط كاملة، وبعضهم يبدأ من المروة قبل الصفا، وهناك من يطوف أربعة عشر شوطاً من الصفا إلى المروة على أساس أن الذهاب والإياب شوط واحد، ومحاولة الزحام وإزعاج المحيطين به عند الحجر الأسود من أجل تقبيله وهذا خطاء؛ فتحركات المسلم يجب أن تكون في جو من الطمأنينة.

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

تعويض المشتبه به.. «حقك ما يضيع»!



جهات القبض تتحرى «إثبات التهمة» خشية الوقوع في مصيدة «الدعاوى الكيدية»

تعويض المشتبه به.. «حقك ما يضيع»!

 
جدة، تحقيق- منى الحيدري
    حاول الموظف "عادل" الاختباء بعيداً عن الأنظار، بعد أن قضي فترة من الوقت رهن التحقيق؛ بسبب شكوى اتضح فيما بعد أنها "كيدية"، عاش خلال فترة توقيفه وراء القضبان الحديدية، أوقاتاً صعبة كان يمر خلالها شريط حياته أمامه بشكل متسارع ممزوج بألوان الضباب، بعد أن تناقلت الألسن حادثة توقيفه؛ مما تسبب في تشويه سمعته، وتهديد مصير أسرته وأبنائه، خاصةً بعد أن قرر خطيب ابنته الاعتذار عن إكمال الارتباط بعائلة لها "سابقة جنائية"!.
حكاية نسردها من واقع حقيقي عاش فصوله الكثير من الأشخاص، وذلك لمجرد الاشتباه دون وجود دليل حقيقي، وباتت الأخبار تنقل لنا من وقت لآخر أخبار إطلاق سراح موقوفين، بعد فترة زمنية، لعدم كفاية الأدلة، ليعودوا إلى إيقاع الحياة وأعينهم إلى أسفل، يحاولون الهرب من نظرات الناس وتساؤلاتهم.
"الرياض" تلقي الضوء على الموضوع، وتطرح أكثر من سؤال: من يعوض "المشتبه به" في سمعته وحريته؟، وهل يوجد قانون يحدد تعويضات المشتبه بهم؟، وهل تكتفي "جهات القبض" بعدم وجود الدليل الكافي لإطلاح سراحه؟.
حالتان فقط
في البداية قال "د.عيسى الغيث" -القاضي في وزارة العدل-: إن التوقيف في القضايا الجنائية لا يكون إلاّ في إحدى حالتين، إما أنه متلبس بالجريمة، أو بموجب شبهات تتوجه عليه، ولذا فأول مراحل التحقيق يكون في وصف "الاشتباه"، ثم حينما تتوجه عليه الأدلة الكافية، فيكون بوصف "المتهم"، مضيفاً أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فإن ثبتت فهو مُدان، وإن لم تثبت فيبقى على أصل البراءة، ذاكراً أن البراءة لا تحتاج لحكم يثبتها لأنها الأصل، وإنما الإدانة هي التي تحتاج إلى حكم لأنها خلاف الأصل، وعليه فإننا نجد أن محاكمنا لا تقرر في حكمها براءة فلان لأنه لا يحتاج لتبرئة، فهي الأصل، وإنما تصدر حكمها في حال البراءة، بأنه لم يثبت إدانته، وبالتالي فهذا يعني البراءة، مشيراً إلى أن هذا أدق من النطق بوصف التبرئة، لكونه لم يدن أصلاً حتى يبرأ، ولو تمت تبرئته فعلاً فهذا دليل على أن ما سبقها من حكم بالإدانة غير صحيح، مبيناً أن القضاء لدينا لا ينطق بالتبرئة لهذا السبب، كونه الأصل، والأصل لا يحتاج لدليل ولا حكم ما دام لم يثبت العكس.
شبهة بقرائن
وأكد "د.الغيث" على أن الضرورة تحتم عدم جواز التوقيف على ذمة "التحقيق" إلاّ بناءً على "شبهة" بقرائن كافية، وحسب المدد القانونية الواردة في نظام الإجراءات الجزائية، وكذلك لا يجوز التوقيف على ذمة "المحاكمة" إلاّ بناءً على "تهمة" بأدلة كافية، وأن تكون من أوصاف الجريمة الكبيرة التي يوقف على ذمتها للمحاكمة والصادرة بقرار رقم (1900) من وزير الداخلية، وأما ما سواها فيطلق سراحه بالكفالة لحين المحاكمة إن توجهت التهمة، أو يطلق سراحه بلا كفالة لحفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، وجميع ذلك وفقاً لنظام الإجراءات الجزائية، لافتاً إلى أنه عند الإدانة يوقف لاحقاً وليس فورياً على ذمة تنفيذ الحكم، ففي بلدان أخرى حينما يتم النطق بالحكم المتضمن للسجن مع النفاذ، يتم التوقيف فورياً بوضع القيد في يده بعد رفع جلسة النطق بالحكم مباشرةً من منصة المتهم في المحكمة واقتياده إلى السجن، وأما في حالة النطق بعدم الإدانة، مما يعني البراءة، فهذا قد لا يترتب عليه تعويض سواء كان موقوفاً على ذمة المحاكمة أو مطلق السراح، ولكن سبق توقيفه على ذمة التحقيق؛ لأن التوقيف تم ابتداءً بموجب الاشتباه ثم لاحقاً بموجب الاتهام وفي الحالتين جاء وفقاً لنصوص النظام، مبيناً أنه يعوض عنه في حالة مخالفة النظام أن تم توقيفه بدون اشتباه، أو زادت مدة التوقيف على المدد المنصوص عليها، أو استمر توقيفه في حال لم تكن تهمته من الجرائم الكبيرة الموجبة للإيقاف.
د.الغيث: الأصل البراءة ولا تحتاج لحكم يثبتها .. د.الفغم: التوقيف بعد 24 ساعة بأمر المحقق

آلية التعويض
وشرح "د.الغيث" آلية التعويض التي يجب أن ينالها المشتبه به قائلاً: إن التوقيف سواء كان على ذمة التحقيق حال إجرائه أو كان على ذمة المحاكمة حال التحويل إليها، وكانت وفقاً لنصوص نظام الإجراءات الجزائية، فإنه لا تعويض فيه، إلاّ في حالة تبرئته، فإنه قد يكون له حق في التعويض من بيت المال، وأما في حال أخطأ أحد المحققين وقام بإيقافه بما يخالف النظام، فهذا يغرمه المحقق نفسه، ولا يجوز تحميل بيت المال أخطاء المقصرين أو المعتدين، موضحاً أن ديوان المظالم هو الجهة القضائية المختصة بالتظلم في مثل هذه القضايا للتعويض.
رد الاعتبار
ورأى "د.أحمد الزيلعي" -عضو مجلس الشورى- أنه من الصعوبة إيقاف الجهات المعنية عن أداء عملها؛ بسبب عدم وجود أدلة دامغة، فالشبهات سبب أساسي لتتحرك هذه الجهات تجاه الشخص المشتبه به لاعتقاله، والتحقيق معه بمثابة الحد الفاصل بين براءته واتهامه، وفي حال لم يثبت عليه شيء يكون له حق رد الاعتبار، وذلك بهدف أن يعرف الناس أنه برئ من هذه التهمة، مضيفاً أنه في وقت القبض عليه يشاع بين أقاربه ما حدث له، فيلحق به وأسرته شيء من سوء الظن والسمعة، مقترحاً أن يكون رد الاعتبار في صورة مالية تطيب به نفسه وتستفيد منه أسرته، متمنياً أن يثار مثل هذا الاقتراح، ويكتب له بمثابة شهادة ببراءته، بعد التأكد من ذلك وتعاونه مع الجهات المختصة خلال سير التحقيقات.

تعويض المشتبه به مشروط بإثبات البراءة
تعويض مادي
وأكد "د.مشعل آل علي" -رئيس لجنة حقوق الإنسان والعرائض بمجلس الشورى- على أن هناك مساحة من الخطأ في كل المجتمعات خلال أداء أجهزته بشكل عام، ولكن لابد أن تكون في حدود المعقول، مطالباً بتعويض من ثبتت براءتهم بعد التوقيف والتحقيق، سواء أكان موظفاً بفرض تعويض مادي، والذي عندما يعمم بشكل رسمي، سيكون رادعاً للتخفيف من توقيف الناس بدون أدله قطعية، بمعنى أن لا يقبض على أحد إلاّ إذا بلغ على الظن أنه مستحق لذلك، مشيراً إلى أنه عندما تعمل هذه المؤسسات بتعويض أبريائه، فإنه من الطبيعي أن تحاسب موظفيها في حال ثبت أن القبض جانبه الخطأ، وبذلك يضع التعويض المزيد من الاحتياطات والإشراف وتكون الأخطاء في حدودها المعقولة، مشيراً إلى أنه من الناحية القانونية هناك عدة اعتبارات تأخذ في الحسبان عند تحديد التعويضات، ولكن في الشرع فإن القضاء يحكم وفق الإجراءات الجزائية، مبيناً أن مشروع خادم الحرمين لتطوير القضاء غطى هذا الجانب بشكل كاف، والإسلام ينظر للناس سواسية، والظلم الذي يقع على الناس ويثبت ذلك، فسيحكم له القضاء وديوان المظالم بالتعويض.
جهات القبض
وطالب "د.آل علي" جهات القبض أن يكون لديه الوعي والإدراك بأنها تتعامل مع أناس لم يثبت انه مجرم، فهو برئ حتى تثبت إدانته، وأن يعامل جيداً، ولا توقع عليه جهات القبض أي عقوبات مسبقة، فالقابض سيكون تحت طائلة العدالة والقضاء، ولذا لا يجب أن نحكم على القضية قبل نهايتها، وتابع قائلاً:"من واقع عملنا فقد ثبت أن تعاملنا مع بعض هذه الحالات".
تقليل نسبة الخطأ
ويتفق "محمد الحقيل" -محامٍ- على أن أول ما يجب التنبه له هو أن المشتبه به لم يكن مشتبهاً به، إلاّ بسبب وجود قرائن قوية تدعم ارتكابه للفعل المجرَّم بموجب النظام، ثم أن الإيقاف لا يكون إلاّ وفق الانظمة والاجراءات التي تحدد مدد الايقاف والأحوال الموجبة له، وكل ذلك في محاولة لتقليل نسبة الخطأ في توجيه الاتهام، وما يترتب على ذلك من حبس للحرية وإصدار الاحكام، ولكن مع كل هذا فإنه لا بد من وجود شخص بريء جرى إيقافه أو شخص مشتبه به لم تستطع جهة التحقيق جمع ما يكفي من الادلة لإدانته؛ فيجري اطلاق سراحهما بعد حبسهما مدة معينة لعدم كفاية الادلة، أو لثبوت براءتهم امام القضاء.
وقال:"إن النظام كفل لمن وقع عليه ضرر من أي قرار إداري ثبت خطؤه أن يطالب بالتعويض عن الضرر اللاحق به؛ بسبب هذا القرار، ومنها قرارات الإيقاف التي اثبتت نتائج تحقيقاتها براءة المتهم".

رجل الضبط الجنائي يتحرى إثبات الشبهة قبل القبض على المتهم
تطبيق النظام
وأضاف "الحقيل" أن نظام الإجراءات الجزائية واضحة وصريحة للمشتبه بهم؛ فقد حدد مدد السجن التي لا يجوز لجهة التحقيق تجاوزها في حال الاشتباه أو التلبس، كما حدد الأحوال الموجبة للتوقيف، مشيراً في حديثه الى أن المشكلة تكمن في تطبيق هذا النظام، وتكييف الأحوال الموجبة للتوقيف، وهي في كثير من الأحيان ترجع إلى تقدير جهات الضبط الجنائي، وتختلف من شخص إلى آخر، مطالباً في سياق حديثه جهات الضبط الجنائي أن تتأكد من توافر الأحوال النظامية لإيقاف المتهم -رغم أن هذه الاحوال لا تستلزم وجود ادلة كافية وإنما هي في الغالب شبهة قوية في ارتكاب المتهم للجريمة-، وعلى هذا فإن إيقاف المتهم دون وجود أدلة كافية هو في الحقيقة إجراء نظامي، لكن على جهات الضبط أن تبادر لاستجواب المتهم والتحقيق معه، ومن ثم إطلاق سراحة إذا ثبتت براءته أو كانت الأدلة المتوافرة غير كافية لإدانته بارتكاب الجريمة.
ديوان المظالم
وأكد "خالد أبو راشد" -محام- على أحقية أي مشتبه تم الإفراج عنه لبراءته من التهمة المنسوبة إليه رفع دعوى لديوان المظالم، حيث يستدعي الجهة التي قامت بإيقافه، وينظر للقضية، ومتى ما ثبت وجود مخالفات لنظام الإجراءات ولوائح التوقيف سيحكم لصالح المتهم بتعويض مالي، والذي في العادة يكون تقديري ووفق المعايير المعمول بها كعدد الأيام ومقدار دخله وحجم الضرر الذي لحق به والحالة الاجتماعية.
وقال إن الهدف من التعويض حفظ ماء الوجه من الضرر الذي لحق به، مشدداً على ضرورة أن تتحرى جهات القبض الدقة، رافضاً وضع قيود شديدة على جهات التحقيق قد تتسبب في تعطيل عملها؛ في ظل وجود مشتبهين يستدعي التحقيق معهم والذي سيحدد براءتهم أو إثبات التهمة ضدهم.
نظام الإجراءات الجزائية
وحول حقيقة وجود ثغرات في نظام الإجراءات الجزائية والمراحل التي تتم بها عمليات القبض والتفتيش، أوضح "د.نواف الفغم" -عضو اللجنة الأمنية بمجلس الشورى- أن واقعة القبض يُعنى بها إيقاف شخص أو وضع يد سواء بصفة فردية او صفة اعتبارية؛ بسبب مخالفته لأحد الأنظمة السائدة في البلد، مثل إيقافه في سيارة، أو منزل، والمقصود بالقبض آلية سالبة للحرية ينتج عنها إجراءات معينة إدارية تحت منظومة عمل معينة، وهناك نوعان من القبض مفاجأة أو قبض في حالة الجريمة.
وقال:"إن وصف حالات القبض بحسب الحالة التي تمت بها؛ ففي الحالة العامة يكون في استدعاء للشخص كتابياً من قبل هيئة التحقيق والإدعاء العام أو المحقق نفسه، وذلك في الحالات العامة كالإيقاف والقبض والاستدعاء، أما في حالات التلبس فهناك آلية أخرى تتخذ من جانب رجل الضبط الجنائي والذي منحت له صلاحية للتعامل وإيقاف كل الأشخاص المشبوهين والمطلوبين، والذي من الممكن أن يكون رجل امن، أو رجل هيئة أمر بمعروف وهم لهم عدة صفات اعتبارية".
القبض والتفتيش المنزلي
وشرح "د.الفغم" حالات القبض والتفتيش المنزلي والتي لها بُعدان؛ إما تفتيش بناء على طلب المحقق أو بناء على حالة تلبس والتي تكون في حالة دخول شخص إلى بيت للاختباء هرباً من ملاحقة الجهات الأمنية، ويقوم رجال الضبط الجنائي بدخول المنزل مباشرة حتى يقبض على الشخص المطلوب، أما في حالة التفتيش الروتينية لابد أن يكون هناك أمر خطي من المحقق المسؤول في القضية، وذلك بحضور أكثر من جهة كالعمدة وحضور العنصر النسائي من قوة المداهمة كوزارة الداخلية أو المكاتب الجنائية للتفتيش وضروه وجود ولي الأمر للبيت.
وأشار إلى آلية أخري في تفتيش المنازل والتي تقع في مناطق لا توجد فيها هيئة للتحقيق والإدعاء العام، ويكون الإذن فيها من المحافظ عند مداهمة المنازل، أو تفتيشها، ويدخل في نطاق هذه الإجراءات "الحرز" والتي تدخل في إطارها الاستراحات والمركبة والمنزل.
تجاوزات محدودة
ولم ينف "د.الفغم" حقيقة وجود تجاوزات في إجراءات التفتيش والتي كانت تحدث في السابق في بعض القضايا وفي أضيق الحدود، ولكن وفي ظل تنوع القنوات الإعلامية والجمعيات الحقوقية والتوعية التي يتلقاها رجال الضبط الجنائي تلاشت إلى حد كبير، مؤكداً على أن رجال الضبط الجنائي -يدخل في نطاقهم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- لا يداهمون المنازل إلاّ بوجود أمر معهم، مشيراً إلى أن الضبط في حالة التلبس لا يستدعي وجود أمر للقبض مثل شك "رجال الهيئة" بوجود امرأة ورجل، ويكون هناك قرائن تؤكد الخلوة مما يمنح الهيئة الحق في تفتيش السيارة وسؤالهم؛ مع الأخذ في الاعتبار حفظ الكرامة والآداب العامة وحسن التعامل مع "المشتبه به" بعد التعريف بأنفسهم.

الأدلة في مسرح الحادث تساعد رجال الضبط على إثبات التهمة شرعاً
مراحل القبض
وشرح "د.الفغم" مراحل القبض، وتبدأ برجل الضبط الجنائي (الشرطة، الهيئة،...) الذي يباشر القضية مع الحرص الاّ تتوقف القضية أكثر من 24 ساعة لتحال مباشرة لهيئة التحقيق والإدعاء العام، والتي يجب أن تبت في القضية إما بالمتابعة أو بإطلاق سراحه؛ ففي المادة (33) ينص نظام الإجراءات الجزائية أنه يجب على رجال الضبط الجنائي في حالة التلبس بالجريمة القبض على المتهم الحاضر، والذي توجد بدائل كافية على اتهامه، وأن يبادر لتبليغ هيئة التحقيق والإدعاء العام، ولا يجوز إيقاف المقبوض عليه أكثر من 24 ساعة، ألاّ بأمر كتابي من المحقق الذي لا يستطيع إيقافه أكثر من المدة المنصوص عليها إلاّ بأمر خطي، ويمكن أن يوقف في السجن بنفس المدة بعد تبليغ المحقق، وقد يأتي أمر خطي من هيئة الادعاء العام بضرورة إيقافه لفترة معينة لوجود قرائن قوية ضده.
حقوق المشتبه به
من جانبه نفي "بندر المحرج" -المستشار القانوني والمحامي- وجود ملاحظات أو تجاوزات على نظام الإجراءات الجزائية الذي يشتمل على مواد تضبط عملية القبض على الأشخاص وتفتيشهم، وتفتيش المنازل والمركبات، مشيراً إلى أن فهم الناس للنظام قد يضيع بعض الحقوق عليهم؛ بمعني أن النظام نص على إيقاف الشخص المشتبه به والتحقق من شخصيته، والتهمة الموجهة إليه من قبل ضابط القبض الجنائي، ويجب على الشخص المشتبه الاستجابه لذلك الأمر.
وقال:"إن مادة أخرى تعطي الحق للمشتبه في الاستفسار عن سبب هذا الإيقاف، وإذا كان السبب مقنعاً فيجب أن يستجيب، وإذا كان خلاف ذلك فله الحق في تقديم شكوى ضد الشخص الذي استوقفه والجهة التي يتبعها"، مؤكدا على ضرورة أن يستجيب كل مواطن ومقيم على أرض المملكة لرجال الضبط الجنائي والذين يمثلون بوصفهم الوظيفي عددا من الجهات الحكومية ذات الصلاحية، بما يشمل الإيقاف والتحقيق والحبس، ويدخل فيها عدد من الجهات سواء الشرطة أو المباحث والاستخبارات وهيئة الأمر بالمعروف وغيرهم؛ فهؤلاء لهم الصلاحية في استيقاف من يشتبه به، وللموقوف الحق في مساءلة رجل الضبط الجنائي عن سبب الإيقاف، وإذا لم يقتنع عن الأسباب فله أن يتقدم بشكوى خصوصاً إذا ترتب على هذا الإيقاف أضرار مادية أو معنوية.
وأضاف:"في حال أن الجهة القضائية التي لجأ لها الشخص الموقوف لم تنصفه بعد التأكد من ملابسات الإيقاف؛ فله الحق بالتوجه إلى ديوان المظالم بحكم مكانتها كمحكمة إدارية للتقدم بالشكوى والإثباتات لأخذ حقه".
المحرج: تهمة المخدر في السيارة غير كافية .. الحقيل: المشكلة في تطبيق «نظام الجزائية»

الحيازة في المنقول
وتناول المحامي "المحرج" مبدأ "الحيازة في المنقول سند الملكية"، وقال: إن المنقول في حالة تملكه أصبح مسؤولاً عنه، وعندما تتبع الجهات الأمنية شخصاًَ ويجدون في سيارته مخدراً أو سلاحاً مستخدماً في عملية إجرامية؛ فعليه الدفاع عن نفسه وما يقدمه رجال الضبط خلال بحثهم عن سيرته الذاتية، والتي تثبت استقامته، وان ما حدث له من مواقف سابقة مع آخرين أنتجت عدواه مع آخرين تجعله في مكان يؤيد براءته. وأضاف:" ليس كل من وجدت في سيارته سلاح أو مخدر معناه أنه مدان، والقاضي لا يكتفي بمحضر ضبط السلاح والمخدر في السيارة كإدانة؛ فلا بد أن يكون هناك أدلة أخرى، فتوجيه التهمة لا تستند على حاجة واحدة، ولكن قد تصبح باباً للتحقيق مع (المستوقف)"، مشيراً إلى أن بعض القضايا أثبتت أن دوافع الانتقام تسببت في توقيف عدد من الأشخاص.

المتهم بريء حتى تثبت إدانته
1000 ريال عن كل يوم توقيف عند براءته!
أوضح المحامي "محمد الحقيل" أن ديوان المظالم في مَحاكِمه الإدارية ينظر في دعاوى تعويضات المشتبه بهم كافة، ومنها التعويض عن السجن -متى كان السجين بريئاً-؛ على أن تكون المطالبة بالتعويض خلال المدد النظامية التي حددتها أنظمة ديوان المظالم؛ لكن الانظمة تركت تقدير مقدار التعويض وأحواله إلى القاضي، مشيراً إلى أن من المستقر في قضاء ديوان المظالم أن قيمة التعويض إذا كان السجين سعودياً -من عامة الناس- هي ألف ريال عن كل يوم، ويستوي في ذلك اليوم الأول واليوم الأخير، ومعلوم أن أصعب أوقات السجن على الانسان وأشدها هي الأيام الأولى، وبعد ذلك يعتاد الانسان حال السجن؛ ولذلك كان على ديوان المظالم أن يعيد النظر في التعويض عن الضرر؛ بسبب السجن وحبس الحرية ويجعل لليوم الأول تعويضاً يعادل قيمة سجن الانسان شهراً كاملاً، ثم يحتسب لبقية الأيام مبلغاً محدداً.
تفتيش منزلك بدون إذن في «حالة واحدة»..رجل الأمن يترجل أولاً والمطلوب لا يتحرك من سيارته!
أوضح المحامي "بندر المحرج" أنه عند استيقاف رجل الأمن -سواء المرور أو رجال الدوريات الأمنية-؛ فإن الأصل أن يترجل رجل الأمن الى "المستوقف"، وفي حال نزول صاحب المركبة فهو المفرط في حقه، وهذا ما نص عليه النظام الذي كفل عدة حقوق لسائق المركبة، ومنها مثلاً في حال أصرّ رجل الأمن على الترجل من المركبة فمن حق المستوقف الاتصال على الدوريات في حال وجوده داخل المدينة، أو أمن الطرق اذا كان خارج المدينة، ويفيدهم بساعة ومكان الإيقاف، ويطلب اسم ورتبة الشخص الذي يتحدث إليه، من خلال الجهاز الرسمي ويتقدم بشكوى ويطلب من الضابط المناوب توجيه هذا الفرد بتطبيق النظام بالنزول إليه.
وقال:"حينما يطلب من شخص ما التوقف ولا يمتثل للأمر ويهرب؛ فإن ذلك أوقعه في جريمة ثانية؛ لعدم الامتثال لرجال الضبط، كما أن دخوله لأحد المنازل بغية التحصن بمثابة التواصل للجريمة، ولا يعني ذلك أن يستفيد من حرمة هذا المنزل؛ فيجوز لرجال الضبط الجنائي الدخول للبيت؛ لأنه يحاول أن يستفيد من نظام تجريم الدخول للمنازل بدون إذن، وعندها يجب ألاّ يتمكن من ذلك، مع الأخذ في الاعتبار أهمية أن يتوقع رجل الضبط بحدسه ألاّ يتسبب دخول المشتبه للمنزل حدوث جريمة أكبر كأن يقتل أحد أفراد المنزل"، مؤكداً على أن دخول رجل الضبط الجنائي إلى المنازل بدون إذن تفتيش لا يسقط حق أصحاب المنزل في مقاضاة "رجال الضبط"، وعن أي مخالفة أو أضرار مادية ومعنوية نتجت عن هذا الدخول.

د.أحمد الزيلعي

د.مشعل آل علي

د.نواف الفغم

خالد أبو راشد

بندر المحرج