تبدو أقرب لمشهد أسطوري أو لوحة خيالية لكنها في الحقيقة أغرب من ذلك بكثير لأن ما تشاهدونه في هذه الصور هو نظام ري بناه الإنسان منذ أكثر من 3,000 عام!!
"تُسْتر".
إنها مدينة شوشتر
في إيران، وهي مدينة حصينة قديمة تقع شمال الأهواز في جنوب إيران ويعود تاريخها للملك الفارسي داريوش (أو داريوس) الكبير الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد.
يعد هذا النظام المائي المدهش من أروع إبداعات العقل البشري خاصة حين نتخيل أنه ومنذ تم بناؤه من آلاف السنين وحتى اليوم لا زال يعمل بكفاءة مدهشة ليروي 40,000 هكتار من البساتين التي تقع جنوب مدينة شوشتر.
أكثر ما يميز المدينة من الناحية الجمالية هي الطريقة التي تصب بها قنوات الري في النهر لأنها تشكل شلالات تنساب من المنحدرات الصخرية على ضفاف النهر لترسم لوحة فنية رائعة الجمال.
وحين نتحدث عن شوشتر فنحن لا نتحدث عن قنوات الري فقط، بل نتحدث أيضاً عن سدود وجسور وأحواض وطواحين، ومنها مثلاً سد وجسر قيصر الذي يعد أول سد يتم بناؤه في إيران:
وما يبدو في الصورة هو بقايا هذا السد الذي كان طوله 500 متر وبناه الرومان أثناء حروبهم مع الفرس في هذه المدينة الحصينة، لكنه انهار في القرن التاسع عشر.
ولهذه المدينة ذكر في التاريخ الإسلامي أيضاً (باسم تستر) لأنها من المدن التي استشهد على حصونها العديد من الصحابة مثل البراء بن مالك -رضي الله عنه-. لكن المسلمين استطاعوا فتح هذه المدينة بعد استخدم أحد الصحابة تلك الأنفاق والقنوات ليتسلل داخل المدينة ويسهل لجيش المسلمين دخولها.
يعيش في توشتر حالياً ما يقارب 29,255 نسمة حسب إحصائيات العام 2005، وبدأت الحكومة الإيرانية الاهتمام بهذه المنطقة بصورة متزايدة خاصةً بعد أن وضعتها اليونسكو على قائمة التراث الأنساني العالمي .
وهذه مجموعة أخرى من الصور:
ولهذة المدينة قصة وحكاية :
لماذا كان يبكيأنس بن مالك - رضي الله عنه - كان يبكي بكاءاً مراً كلما تذكر فتح "تُسْتر"...
و"تُسْتر" مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنة ونصفاً بالكامل، ثم سقطت المدينة في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتح مبين... وهو من أصعب الفتوح التي خاضها المسلمون...
فإذا كان الوضع بهذه الصورة الجميلة المشرقة فلماذا يبكي أنس بن مالك رضي الله عنه عندما يتذكر موقعة تُسْتر؟!
لقد فتح باب حصن تستر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن، ودار لقاء رهيب بين ثلاثين ألف مسلم، ومائة وخمسين ألف فارسي، وكان قتالاً في منتهى الضراوة... وكانت كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت، وتحمل الخطر على الجيش المسلم..
موقف في منتهى الصعوبة.. وأزمة من أخطر الأزمات!..
ولكن في النهاية – بفضل الله – كتب الله النصر للمؤمنين.. وانتصروا على عدوهم انتصاراً باهراً، وكان هذا الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس!
واكتشف المسلمون أن صلاة الصبح قد ضاعت في ذلك اليوم الرهيب!
لم يستطع المسلمون في هذا الأزمة الطاحنة والسيوف على رقابهم أن يصلوا الصبح في ميعاده! ويبكي أنس بن مالك رضي الله عنه لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته.. يبكي وهو معذور، وجيش المسلمين معذور، وجيش المسلمين مشغول بذروة سنام الإسلام.. مشغول بالجهاد.. لكن الذي ضاع شيء عظيم!
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: وما تُسْتر؟! لقد ضاعت مني صلاة الصبح، وما وددت أنّ لي الدنيا جميعاً بهذه الصلاة!
هنا نفهم لماذا كان يُنصر هؤلاء! "إن تنصروا الله ينصركم" (محمّد:7)
إذا كانت هذه أحد أسباب النصر، فخبرني بالله عليك كيف ينصر الله عز وجل قوماً فرطوا في صلاة الصبح؟!
هذا - والله - لا يكون..
أما إن كان الجيش على شاكلة أنس بن مالك رضي الله عنه.. يحاسب نفسه على الصلاة الواحدة.. فهو ولا شك جيش منصور.. "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" (الحج: 40).
* * *
نقلاً عن كتيب “كيف تحافظ على صلاة الفجر؟”
للدكتور راغب السرجاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق