(فهل يستقيم الظل والعود أعوج).
عندما كنا مع الأصدقاء في طريقنا إلى (لوزان) شاهدنا مزرعة متخصصة في إنتاج العسل وتوقفنا عندها وطرقنا الباب ففتح لنا صاحب المزرعة ورحب بنا وهو رجل كبير في السن ويقوم هو وزوجته بإدارة هذه المزرعة واشترينا منه حاجتنا من العسل وعندما دفعنا له المبلغ وأردنا الانصراف طلب منا استلام الفاتورة والتوقيع عليها وعندما استغربنا منه هذا الطلب لأن المبلغ زهيد ولا يحتاج إلى فواتير قال إن هذا ضروري جداً من أجل دفع الضريبة الحكومية.
قلت في نفسي هذا الرجل يعيش في مزرعة بعيدة ودخله قليل ومع ذلك حريص على دفع الضريبة للحكومة وقارنت بينه وبين ما يحصل عندنا في البنوك ورجال الأعمال الذين يكسبون المليارات ويتحايلون على دفع الزكاة بتوظيف محاسبين يضللون مصلحة الزكاة بإعداد ميزانيات تظهر قوائمها(كذباً) تراجعاً في الأرباح ومع ذلك يماطلون في تسديدها حتى إن أحد رجال الأعمال رفض دفع الزكاة المستحقة عليه – وهو يملك المليارات – إلا بعد صدور أمر سامٍ بتوقيف أعماله (مجلة اليمامة).
في طرف مدينة جنيف من الشمال تقع هناك غابة كبيرة تحتوي على قصرين كبيرين وهي متنفس كبير لأهالي المدينة وعندما سألت عن سر هذه القصور قال لي أحد الإخوة من العرب المقيمين هناك إن هذه الغابة الكبيرة بأشجارها وقصورها قد أهداها رجلا أعمال إلى بلدية جنيف ويقدر ثمنها (بالمليارات) وقد حولتها البلدية إلى متاحف، هل سمعتم أن أحد رجال الأعمال في بلدنا قد أهدى إحدى بلدياتنا مثل هذه القصور(أو حتى فيلا صغيرة)، وفي المقابل نقرأ في صحفنا عن اتهامات لبعض رجال الأعمال في الضلوع في الاستيلاء على أراضي الدولة بطريقة غير شرعية.
لاحظت أن سفلتة الشوارع في المدن تتم بطريقة محدودِبَة بحيث يكون الوسط مرتفعاً والأطراف مائلة إلى الجوانب مما يجعل مياه الأمطار تنحدر إلى أطراف الشارع حيث تبلعها بواليع صرف الأمطار في ثوان.
لاحظت أثناء زيارتي لحديقة جنيف وهي التي أشرت إليها أعلاه أن هناك حركة لإقامة مخيمات على أرض الحديقة وكان يتم بهمة ونشاط فظننت أن هناك احتفالاً من احتفالات جنيف الكثيرة سيقام في هذه المخيمات، وبعد يومين لاحظت وأنا أطل من شرفة الفندق أن الشارع الذي يوصل لهذه الحديقة ويمر بجوار الفندق يغص بالتلاميذ من المراحل الابتدائية الأولى وكل مدرسة تمر يتقدمها أساتذتها ثم تليها المدرسة الأخرى وهكذا ودفعني الفضول لاستطلاع هذا الأمر وتبعتهم حتى وصولهم إلى الحديقة واكتشفت أن هذه المخيمات التي توهمت أنها أقيمت لحفلات الغناء والرقص إنما هي معارض زودت بالكتب والأجهزة والنشرات تحت إشراف مدرسات مؤهلات تعطي دروساً لهؤلاء الطلاب عن ثقافة التعامل مع الآخرين كما تعلمهم المحافظة على الممتلكات العامة وتعطيهم دروساً في أنظمة المرور وترشيد استهلاك الماء والكهرباء واستمر هذا المعرض لمدة أسبوع وكل يوم يزوره طلاب غير الذي زاروه بالأمس فيا ليت وزارة التربية والتعليم تستفيد من هذه التجربة.
مدينة جنيف مدينة كبيرة وتعج بالحركة وتغص شوارعها بالسيارات تسير بانسياب تام دون تزاحم أو توقف، وعندما يبدأ الليل يزحف على هذه المدينة تبدأ الحركة بالتوقف تدريجياً حتى إذا تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً توقفت الحركة تماماً وتحولت هذه المدينة النابضة بالحركة إلى مدينة أشباح وخلد الناس إلى النوم وعندما يرسل الصباح خيوطه البيضاء تنهض هذه المدينة في دقائق وتعود حياتها الطبيعية وإذا صادف أن شاهدت سيارة تسير آخر الليل فاعلم أنها (لبني يعرب) الذين حولوا الليل إلى نهار والنهار إلى ليل فهل يتكرم الإخوة من المفكرين والمثقفين ورجال التربية والتعليم عندنا بالتصدي لهذه الظاهرة قبل أن تستفحل ونضطر إلى استقدام موظفين لإدارة الأعمال في المستقبل.
عندما غادرت الفندق متوجهاً إلى المطار في طريق عودتي إلى بلدي كنت أحلم أن أرى الالتزام الصارم بأنظمة المرور هنا أراه في بلدي ولكن عندما غادرت مطار الملك خالد الدولي إلى منزلي صدمت بالفوضى العارمة فأصحاب الناقلات يسيرون في المسار الأوسط وأصحاب السيارات الصغيرة يتخاطفون أمامك يميناً ويساراً بطريقة بهلوانية، بطريقة تدخل الرعب في قلوب العابرين للطريق وتحمد الله عندما تصل بيتك أنك وصلت سالماً.
رسالة قصيرة إلى الدفاع المدني والمرور
الحادث الكبير والمروع الذي حدث في الدائري الشرقي يوم الجمعة والذي حصل نتيجة تصادم سيارة صالون بناقلة كبيرة تحمل شحنة من الديزل الذي انسكب على الطريق واشتعلت فيه النيران وتم اتلاف الطريق وتعطيل حركة المرور ومضايقة الناس وتعطيل أعمالهم ونحمد الله أنه حصل في يوم عطلة والحركة قليلة ولو حدث في يوم عمل لراح ضحيته من عابري الطريق من التلاميذ والمواطنين وغيرهم المئات ولكن الله سلم، والسؤال هنا هل تمر هذه الحادثة بدون تحديد المسؤول عنها ومعاقبته كما حصل في حادثة ناقلة الغاز في طريق خريص والتي تسببت في قتل الكثير من المواطنين والمقيمين ودمرت الكثير من الممتلكات وخرجت منها شركة الغاز (بقدرة قادر) كما تخرج الشعرة من العجين دون أن تدفع ريالاً واحداً تعويضاً للمتضررين كما تقضي به كل قوانين السلامة في العالم ودون صدور قرار يوضح غموض هذا الحادث.
نعود لموضوع ناقلة الديزل المسؤول هنا هم الدفاع المدني والمرور وصاحب الناقلة فهل الدفاع المدني أبلغ المرور بنظام نقل المحروقات، في هذه الحالة يكون المرور هو المسؤول إلاّ إذا كان المرور أبلغ أصحاب الناقلات وأخذ عليهم تعهداً بالالتزام بها، في هذه الحالة يكون صاحب الناقلة مخالفاً وعليه أن يتحمل تبعات هذا الحادث ودفع التعويضات للمتضررين، وتعويض وزارة النقل عما أصاب الطريق من تلف مع أن هذا لا يعفي المرور من مراقبة تطبيق هذه التعليمات وأن لا يقف متفرجاً. سبق أن كتبت لإدارة الدفاع المدني عدة مرات وطالبت بمنع سيارات نقل المحروقات عامة من دخول المدن قبل الساعة الثانية عشرة مساءً وحتى الساعة الرابعة وطالبت بأن يلزم أصحاب الناقلات بتسيير سيارة (ونيت) تحمل أنواراً تحذيرية تسير خلف الناقلة بمسافة تحمي الناقلة من الإصطدام بها من الخلف ولكن – لا حياة لمن تنادي – فهل توقظنا هذه الحادثة من سباتنا ونهتم بحماية المواطنين بدلاً من أن نقضي أكثر وقتنا في مكاتبنا المكيفة ونوكل بتطبيق الأنظمة لأناس غير مؤهلين لذلك (فهل يستقيم الظل والعود أعوج).
************
بينما كنا جلوساً أمام بحيرة جنيف مرت من أمامنا فتاة ممشوقة القوام فارعة الطول ذات جمال آسر رافعة رأسها بشموخ، وهذه الصفات ليست بيت القصيد ولا تهم شيخاً مثلي (بلغ من العمر عتياً) إنما الذي يلفت النظر أنها كانت تمشي وبجوارها طفل عمره سبعة أو ثمانية أعوام، وتدفع أمامها عربة بها طفل عمره حوالي ثلاثة أعوام، وتحمل على ظهرها طفلاً رضيعاً لم يتجاوز عمره بضعة أشهر، هذا والله ما شاهدته (بأم عيني) وليس معها جيش من الخادمات والمرافقين ليحملوا عنها شيئاً من هذا العبء كما تفعل نساؤنا، وليت نساءنا اللاتي يأتين إلى هذه البلاد يأخذن درساً من هذه الفتاة، وأمثالها كثيرات هناك، بدلاً من أن يقضين وقتهن في سهر الليل ونوم النهار.
هناك يهتمون كثيراً بسلامة المشاة في الشوارع ويحرصون على تجديد الخطوط الصفراء باستمرار ويخفضون منسوب (البلدورات) في الرصيف إلى مستوى أرض الشارع عند نهاية الممر (يا ليت الإخوة في أمانات المدن يطبقون هذا في مدننا) والتقاطعات التي فيها إشارات ينتظر المشاة بنظام حتى تضاء الإشارة الخضراء فينطلق المشاة من دون خوف من تهور سائق لأن النظام هناك صارم وكاميرات المراقبة جاهزة في كل زاوية تقف بالمرصاد، وتقف السيارات على خط واحد، أما التقاطعات التي ليس بها إشارات فالأفضلية بها للمشاة، وبمجرد أن يضع عابر الطريق قدمه على ممر المشاة تتوقف كل السيارات حتى سيارات النقل، حتى يعبر المشاة من دون أن يتحرك أحداً أو يستعمل منبه السيارة وهذا أتمنى أن أراه في بلادي.
مداخلة:
في برنامجه الشيق الناجح (الثامنة) على قناة (mbc1) ناقش المذيع والصحفي الأستاذ داود الشريان في حلقة مساء يوم الأربعاء الموافق 24/11/1433ه اسواق الذهب والمجوهرات، وفضح ما يحصل فيها من غش ونصب وغسيل أموال، حتى إن أصحاب المحلات عندما يشعرون بوصول وزارة التجارة يغلقون متاجرهم، وهذا وضحته كاميرا البرنامج، وفي مداخلة للبرنامج اتصل أكبر ملاك مصانع الذهب والمجوهرات في الرياض من مدينة (سانتياغو) وعندما سأله الأستاذ داود عن سبب عدم توظيف السعوديين، قال بالحرف الواحد (فض الله فاه) إن راتب السعودي نصف راتب الوافد، يا أخي ألا تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من بات شبعان وجاره جائع) أين يا أخي التكافل في الإسلام، اين المودة، أين المروءة أين المواطنة؟ تقارن ابن وطنك بوافد ليس عليه من الالتزامات والمسئوليات الأسرية عشر ما على المواطن، أين حق هذا الوطن عليك الذي وفر لك الأمن والأمان، وأعفاك من الرسوم والضرائب، إلى هذا الحد بلغ الجشع بك والعقوق لوطنك، ولكن (إذا لم تستح فافعل ما تشاء).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق