الأربعاء، 20 أبريل 2011

مقولة " لحوم العلماء مسمومة".. !!


لحومكم مسمومة ولحوم غيركم مأكولة .. تلك إذن قسمة ضيزى .. !!
هل من العدل فضلاً عن المروءة أن ننقد غيرنا ونترك أنفسنا؟، وهل من المشروع أن نطلق لألسنتنا العنان ضد الفئات المختلفة عنا وفي نفس الوقت نحرم مجرد مناقشتهم لنا؟، ونحن الذين نقرأ قوله تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ).
ولا أدري كيف ضاعت المبادئ واختلطت المفاهيم، حيث كنا في السابق نجد من يبادر للإرشاد فيقول لنا: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وهذا في حق المعتدين، فكيف هو في حال الإخوة المقربين، ومن ذلك أننا تربينا في محاضننا على تحريم الغيبة والتجني، ثم نراها اليوم متفشية في فئة كنا نراهن عليهم بأنهم سيكونون القدوة، وكذلك تشربنا حب الآخر والتلطف معه والتبسم في وجهه، ثم نراها اليوم قد أبدلت بتقطيب الجبين وبث العداوة هنا وهناك، وبعد أن كنا نؤمل في منابر الجمعة وكراسي المحاضرات وبرامج الدعوة أنها ستؤلف بين القلوب وتعالج العقول وتطرد التطرف السلوكي وتكافح الإرهاب الفكري، إذ بنا نرى بعضها قد أبت إلا تدنيس المنابر بحروب عبثية واعتداءات جنائية، فلا الدين حموه ولا الدنيا رعوها، وإنما وكعادة بعضهم حيث اطلقوا لألسنتهم السنان ولأقلامهم العنان، فهم بهذا كأنهم قد غفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، وأما غيرهم فعليهم سلاسل الشتائم وقوائم الاتهامات، ثم بدلاً من أن يبادر من ننتظر منه القيام بالواجب في التبرؤ من مثل هذه التجنيات؛ إذ بالبعض يستغلها فرصة سانحة لمزيد من الاعتداءات عبر شلليات حزبية أساءت لوحدة المجتمع الأصيل بأخلاقه والنزيه بسلوكه.
ومن العيوب التي يجدها المتأمل في ميداننا الفكري؛ طريقة فهم وتعاطي بعض إخوتنا مع مقولة الحافظ ابن عساكر - رحمه الله - ونصها: ((اعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإيّاك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، بلاه الله قبل موته بموت القلب))، وهذا النص لا خلاف عليه، وهو ما يجب علينا الإيمان به والعمل بمقتضاه، ولكن يجب علينا أيضاً أن نضع محترزين اثنين: 
أولهما: أنه كما يجب احترام العلماء وعدم المساس بهم؛ فيجب عدم تقديسهم أو تحريم مناقشتهم، وإلا انقلبنا من الطرف إلى الطرف، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
وثانيهما: أن لحوم العلماء ليست وحدها المسمومة دون بقية الناس، ولذا وجدنا سماحة والدنا الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز - طيب الله ثراه - يقول: (ونصيحتي لطلبة العلم بأن يحفظوا ألسنتهم من الغيبة لإخوانهم في الله عامة ومن الغيبة لأهل العلم بصفة خاصة، عملا بقول الله عز وجل (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)، واتقاء لما في الغيبة من الشر العظيم والعواقب الوخيمة).
وإذا كانت الغيبة والاعتداء خطأً، فالسكوت عليهما خطيئة، والتبرير لهما كبيرة، والتحريض عليهما جريمة، ومع ذلك لم نجد فتوى واحدة من تلك الفتاوى (اليومية)... من يكشف الحالة ويرصد الخطأ ويبين الخطيئة ويظهر الجريمة...

ومع ما رأيناه من غيبة وأكل للحوم، إلا أننا لم نجد أي أحد ينكر أو ينصح ولو بخطبة أو بكلمة أو مقالة يخاطب بها هؤلاء الشباب، ناهيك عن بعض الدعاة والخطباء الذين خرجوا من محاضن تربوية يفترض منها أنها ربتهم على خلاف ما رأيناه منهم، ولذا لو مررنا سريعاً على الإنترنت – مثلاً - وقرأنا مما فيه؛ لورد إلينا السؤال التالي: أين نجد الغيبة أكثر وعند من؟، فهل وجودها وانتشارها في وسط يفترض منه أن يكون هو القدوة دليل على السلامة والصحة؟!، أم دليل على سوء التربية والتوجيه؟!، بل ونرى أحياناً التبرير والتحريض لمزيد من الأكل في تلك اللحوم غير المسمومة لدى هؤلاء، وكأنها لحوم مذبوحة على الطريقة الإسلامية ويستحب أكلها بكل أنواع الطهي طبخاً وشياً، والتفنن في تقديمها للضيوف الكرام!.
وإذا كانت الغيبة والاعتداء خطأ فالسكوت عليهما خطيئة، والتبرير لهما كبيرة، والتحريض عليهما جريمة، ومع ذلك لم نجد في ميداننا الفكري وساحتنا الشرعية فتوى واحدة من تلك الفتاوى (اليومية) أو بياناً واحداً من تلك البيانات (السفرية) من يكشف الحالة ويرصد الخطأ ويبين الخطيئة ويظهر الجريمة ويكافح هذه التهورات التي شاركت في تفلت عقال ما يسمى ب(الصحوة) حيث نقضت غزلها وبيد أبنائها المراهقين.
فلم يسلم من تلك الألسن والأقلام لا كبير ولا صغير، ولا راعٍ ولا رعية، ولا حي ولا ميت، ومع جميع ذلك فالسكوت يعم الأجواء، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن نبه على هذا الأمر وقال لأهله رفقاً وعلى رسلكم واتقوا الله في أنفسكم، بل تراهم يتسابقون في الدفاع عن المعتدين!.
لكن في المقابل لو قمت بمجرد الوقوف على بعض الأخطاء العلنية والنصيحة الأخوية والمناقشة العلمية لبعض طلبة العلم؛ فحينئذ - فقط - تثور تلك الثائرة وتتسابق السهام العاثرة من أجل ذلك الفرد المعصوم فعلياً بعملهم ولو كان غير ذلك نظرياً بقولهم، وهنا تتكشف مواطن الخلل وتظهر حقيقة الزلل.
وإنني على يقين بأن الحق لا يمكن أن يتحقق إلا عندما ننعتق من جميع سلطات الهوى والبشر الإدارية والحزبية والجماهيرية والمناطقية والقبائلية والطائفية، وتبقى العبودية لله وحده لا شريك له؛ فهي الحق وبها تتحرر النفوس المستعبدة.
وفي هذا السياق نجد (التهويل والعنف) عند التعامل مع الرعاة والرعية وخصوصاً الإعلاميين، وذلك في كل صغيرة فضلًا عن الكبيرة بنظرهم، في حين نجد (التهوين والرفق) تجاه المرجعيات الحركية والكوادر الحزبية في كل كبيرة فضلًا عن الصغيرة، وفي نفس السياق نجد الإباحة المطلقة وربما الاستحباب المشروع في النيل من الآخر من قبل هؤلاء القوم، حتى صار البعض يزايد على إيمان العباد والبلاد، وفي المقابل نجد التحريم الغليظ لمجرد مناقشة العلماء والدعاة والخطباء، وما إن يبادر أحد بالنقد المشروع تجاه بعضهم حتى يصب عليه جام الغضب، مع أن المنهج السلفي والتاريخ الإسلامي يؤكد لنا أن مناصحة الراعي تتم سرًا لئلا يُثار الناس كما حصل في عهد عثمان - رضي الله عنه -، بخلاف مناصحة الرعية في شؤونهم الفكرية المعلنة لكونه لا يترتب عليها مفسدة، ولكننا نجد المنهج مقلوباً، فالرعاة يتقرب إلى الله بالنيل منهم حتى الأموات سواء بفتاوى أو بيانات أو مقالات وبلا نكير، ولكن حينما يتعامل مع بعض طلبة العلم والدعاة ببعض معاملتهم فتجد الهجوم الشرس على من يكتب بشأنهم وكيل التهم على الكتّاب والإعلاميين، مما يجعلنا نوقن بأن هناك خللًا فكريًا كبيرًا، ومهمتنا بيانه والنصيحة بشأنه، لأن الشريعة الإسلامية والخبرات التاريخية تؤكدان أن هذه التناقضات لا تسوغ ولا تحقق مصلحة الدين ولا الدنيا، بل المزيد من ضياع الأمرين.
ويكفي شهادة للإعلام ورجاله أن مؤسساته هي المستهدفة من قبل الأعداء والفئة الضالة، وأن رموزه هم المدرجون على قوائم التصفية للخلايا الإرهابية، وذلك لدورهم الكبير في صد الأخطار عن هذا الوطن، والذي يحتاج للأعمال والمبادرات وليس للمزاعم وإلمهاترات، فالإعلاميون في هذه الظروف هم خط الدفاع الأول عن الوطن ومكتسباته، ولا نقبل بأن يتم المزايدة عليهم أو التشكيك فيهم فضلاً عن الاعتداء عليهم أو تخوينهم، ولكن يأبى الله إلا أن يظهر الذين يسعون في توحيد الصف وتقوية اللحمة الوطنية خصوصاً في حال الشدة، والذين يسعون في إثارة الفتن والتشبع بما لم يعطوا كلابسي ثوب الزور، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويحفظ بلاد الحرمين ولو كره المرجفون.



د. عيسى الغيث



**********************       *************************



ما وجدنا عليه آباءنا




لمى الغلاييني
في إقليم ناءٍ في الصين كان يعيش أحد الفلاحين في كوخ ولديه حمل صغير، وفي ذات يوم كان الفلاح يعمل مستغرقا في حقله، فاشتعلت النيران داخل الكوخ المصنوع من الخشب، والتهمت كل ما في داخله بما في ذلك الحمل الصغير الذي لاقى حتفه مشويا بالنيران، وعندما عاد الفلاح إلى بيته اكتشف الكارثة التي حدثت، وتجول داخل الكوخ بحثا عن شيء يمكنه الاستفادة منه، فوجد جسم الحمل مشويا تفوح منه رائحة شهية جدا، فأمسك الرجل بقطعة منه وبدأ في تذوقها ففوجئ بلذة المذاق ووجده لذيذا جدا.
سارع الفلاح إلى استدعاء أصدقائه من المزارعين المجاورين لمشاركته في تذوق الحمل المشوي واستمتعوا جدا بأكله، ومنذ ذلك الحين انتشر خبر الحمل المشوي في القرية وأصبح طبقا شهيرا، وعندما كانوا يرغبون في تناوله، فإنهم كانوا يقومون باختيار كوخ ما ثم يضعون الحمل بداخله ويشعلون النار في الكوخ حتى يحترق بأكمله، ثم يخرجون الحمل المشوي ويستمتعون بتناوله.
يتبنى معظم الناس عديدا من الاعتقادات عن أنفسهم وحول الحياة بأسلوب المزارعين، حيث يصرون على عدم تناول الحمل المشوي إلا إذا وضع داخل الكوخ، انطلاقا من مبدأ "ما وجدنا عليه آباءنا"، ولم يكلفوا أنفسهم أحيانا فرصة التساؤل عن عقم هذه الأساليب، وجدوى العيش بهذه الاعتقادات، وهل بالإمكان تناول الحياة والحمل المشوي بأساليب عملية أكثر.
لقد عاب القرآن على تقليد الآباء والأجداد، وتعظيم عقائدهم وعاداتهم، وفي ذلك دليل أكيد على أن القول والفعل لا يستمدان قيمتهما من أقدمية الزمان الذي قيل وفُعل فيه، بل من مدى اقترابهما من الحق وقدرتهما على الصمود في وجه أسئلة الفكر المتجددة، ولكن تطبيق ذلك صعب لدى الكثير، مع وضوح منطقيته، ولذلك فهم يستمرون في تبني أسلوب الحمل المشوي في التفكير، لأن العقل البشري لا يملك المرونة الكافية عند كثير من الأشخاص لمناقشة أفكاره ونقدها بشجاعة، والتخلص من تلك القناعات التي أكل الدهر عليها وشرب.
وكما يقوم جميعنا من حين لآخر بجرد دواليبنا وأمتعتنا وصناديقنا لتفحص مدى جدواها ومدى ملاءمتها مع مقاساتنا واحتياجاتنا الحالية والتخلص مما لا يناسبنا منها، فنحن بلا شك بحاجة أكثر إلى عملية "جرد أمتعتنا الفكرية" للتخلص من الأفكار الضيقة التي لم تعد تناسب مقاسنا، واكتشاف الاعتقادات العقيمة غير الصالحة للاستخدام، حتى لا نضطر إلى ممارسة الحياة ونحن نرزح تحت حمل أمتعة ثقيلة عقيمة لا تفيدنا، بل على العكس تعيق سرعتنا وتكبل انطلاقتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق