الخميس، 30 يونيو 2016


جدة خارج السور: التاريخ الاجتماعي للفن والجمال والثقافة الحديثة

كتب: محمود عبدالغني صباغ
نُقصر الحديث هنا عن تواريخ ما بعد ازالة سور جدة (1948م) وانطلاق المدينة نحو آفاقها الجديدة الرحبة الفسيحة.. على أن ندوّن لاحقاً (الجزء الأول) وهو تواريخ ما قبل ازالة السور.
1948 وما بعدها: صعود البوتيكات والمعارض الحديثة. 
بوتيك ابوزنادة – الاول في عالم الأناقة العصرية. اعلان في عام 1954
متاجر شركة الحاج عبدالله علي رضا
معارض شركة الحاج عبدالله علي رضا

متجر فولكس واجن لمحمد علي موصلي. (المصدر: مجلة المصور)
محمد علي موصلي للموبيليا (المصدر: مجلة المصور)
..
شهدت نهاية الأربعينات الميلادية صعود متاجر المنتجات الحديثة التي كانت بمثابة انقلاب في ثقافة المدينة وأنماطها الحياتية. فظهرت أنماط تسويقية وفنية جماهيرية حديثة لأول مرة كثقافة الفاترينات، واعلانات الصحف الجذابة، وغزو للمنتجات المستوردة الفاخرة. كان صالح بن حِمد وفتحي سعيد أبوالجدايل، أول من افتتحا معرضاً حديثاً للاسطوانات الموسيقية في عمارة الأشراف على شارع الملك عبدالعزيز بإسم ميلودي، كان مُلحقاً بآخر صرعات وتقنيات التسويق كتجربة الاسطوانات قبل شرائها. كما أسس نوري أبوزنادة، أول بوتيك للملابس والمنتجات النسائية الرجالية الفاخرة والمستوردة من سويسرا وفرنسا وامريكا، وكان يوّرد الساعات الأوروبية للقصور الملكيّة، ويذكر سليمان توفيق، وهو طالب، انه قبل رحلته الى مصر زار متجر نوري ابوزنادة فاشترى “شركسكين نباتي، وكرافتة سولكة، وقمصان سويسرية، وجزمة بـ 350 ريالاً جلد تمساح شي يهد الحيل”.
وافتتح الشيخ محمد علي موصلي، وهو تاجر ومقاول بناء محلي يتحدر من أبرز عوائل الطوافة في مكة، اول محل للموبيليا الحديثة، كما انفسح عقد متاجر السيارات الأمريكية والأوروبية على طول المدينة بشكل مطرد: فافتتح محمد محمود زاهد واخوانه معرضا حديثا لسيارات جنرال موتورز في حارة الشام، وافتتح محمد علي موصلي نفسه أكثر المتاجر أناقة لسيارات الفولكس واجن الألمانية.. وكان هناك معرض الحاج عبدالله علي رضا لسيارات فورد، ومعرض كرايسلر التابع للشركة التجارية العربية لمالكها ابراهيم شاكر، ومعرض ووِرش صيانة سيارات فِيات لتاجر السيارات ونقل الأوتوبيسات محمد ابوبكر باشا باخشب.
1950: مكتبة دبوس – أولى المكتبات التجارية العصرية في جدة! 
محلات دبوس
أسسها دبوس وشركاه، وهو مستثمر أجنبي من لبنان، على خطى المكتبات الحديثة في لبنان واوروبا، لتبدأ لاول مرة فى تاريخ البلاد بالاستيراد المنظم للكتب الافرنجية والصحف والمجلات العربية والاجنبية . كان ظهور مكتبة دبوس بهذا المزيج بمثابة دهشة ومثار استغراب بل واحياناً استنكار الكثير، ممن لم يتصوروا قيام أي شخص باستئجار متجر فى شارع رئيسي ومركزي (شارع الملك عبدالعزيز) بمبلغ باهظ، ومن ثم  القيام بصرف مبالغ طائلة فى التأثيث والديكور لمجرد بيع الجرائد والمجلات والكتب والقليل من الادوات المكتبية!
ارغمت المنافسة المحليّة دبوس على تقليص نشاطه، ومن ثم بيع متجره ووكالات المجلات الأجنبية لـ محمد على خزندارفي عام 1960، وهي المؤسسة التي لعبت أدواراً تنويرية كبرى ولا تزال قائمة الى اليوم كمكتبة ووكيل للمجلات والصحف الأجنبية.
كانت محلات دبوس تشهد تجمع الأهالي بعد صلاة الجمعة لمشاهدة مشهد “ثقافي” شرقي حالم: حيث كانت أحكام القصاص تُنفذ أمام المكتبة فيما يُعرف بين الأهالي بـ ساحة “مكتبة دبوس”!
1952: مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر.. أضخم التجارب الصحفية أولها!
مبنى مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر في كيلو خمسة.. أسسها السيّد حسن شربتلي في 1952
هذه أولى تجارب الصحافة المؤسسية الكبرى، وأكثرها طموحاً في سبقها لعصرها. أسسها السيّد حسن عباس شربتلي، في كيلو خمسة بطريق مكة في فبراير 1952.. وكان الكاتب البارز أحمد عبيد مديرها وواضع سياساتها التحريرية.أحضرت مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر 46 مطبعة لينو تيب حديثة من كلا من البرت فرانكنتال بايطاليا وهايدلبرج بألمانيا.. وتهيأت لاصدار مجموعة من الصحف والمجلات المتخصصة والناطقة بالانجليزية. وقّعت المؤسسة كأول مجموعة صحفية محلية اتفاقيات نشر مع كبرى الوكالات العالمية؛ رويترز، اسوشيتد برس، يونايتد برس، الانباء الفرنسية والانباء العربية، التي كانت تصلها أخبارها بأحدث تقنيات العصر عبر ماكينات الكتابة الالكترونية “التكر”.. وتعاقدت المؤسسة مع الدكتور ابراهيم عبده، أستاذ الصحافة البارز بجامعة القاهرة، ليعمل مستشارا بجدة، واستكتبت فعلياً مجموعة ضخمة من كبار الكتاب العرب أمثال عباس العقاد وطه حسين وعبدالوهاب حمودة. بدأت صحيفة المدينةفي طباعة صفحاتها بالمؤسسة، وكانت المجموعة قد اطلقت باكورة مجلاتها الخاصة، وحملت اسم: مجلة الرياض، ورأس تحريرها أحمد عبيد نفسه.. لكن أمراً ملكياً صدر في 15-6-1957م بمنح امتياز صحيفة أسبوعية تحمل ذات الاسم لحمد الجاسر بالعاصمة، أدي الى حجب المجلة، وأجهض الكثير من مشاريع المؤسسة التي كانت تتهيأ لاعلان نفسها كاول مجموعة اعلامية محلية بالمفهوم الحديث!
وضمت المؤسسة اسماء لامعة في فترات عدة.. فكان مدير المؤسسة محمود رضا، ومدير المطابع الشاعر المكّي الكبير الشيخ احمد بن ابراهيم غزّاوي. وكان سلامة حمودة من العاملين في جمع المواد على اللونوتايب، وهو من فنيي مدرسة أخبار اليوم.
1954 – دار الأصفهاني للطباعة. 
محمد حسين أصفهاني (يسار)، يراجع بروفة احد اعداد مجلة المنهل مع عبدالقدوس الأنضاري في دار الأصفهاني للطباعة.
محمد حسين أصفهاني (يسار)، يراجع بروفة احد اعداد مجلة المنهل مع عبدالقدوس الأنصاري (يمين) في دار الأصفهاني للطباعة.
في عام 1954، أسس محمد حسين أصفهاني مطابع دار الأصفهاني مع شركائه: محمد سليمان التركي، عبدالله الخريجي، ومحمد سرور الصبان.. قبل ان يشتري منهم أنصبتهم لينفرد بتجارة الطباعة والدعاية والاعلان في المملكة. كانت دار الأصفهاني الثانية في ترتيب الريادة بعد مطابع مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر، لكن مطابع الأصفهاني كانت الأشهر بمرافقتها للنهضة الأدبية والصحفية والتعليمية في المملكة.
الأصفهاني الذي يتحدر من بيت جداوي عريق عمل في مهنة اضاءة وصيانة (الأتاريك) في طرقات جدة القديمة، كان قد بادر الى افتتاح بسطة لبيع الكتب والصحف والمجلات امام مسجد عكاش القديم، ثم تدرج في توزيع الصحف الأجنبية، حتى أصبح وكيلاً لمجلة المختار/ريدرس دايجيست في جدة، مع شركائه أحمد ملائكة وعبدالرزاق بليلة وصالح جمال في مكة.
أدخل الأصفهاني في مطابعه آلات خطوط اللينو تيب بعد مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر بعامين، لكنه كان اول من ادخل مطابع الأوفست مُحدثاً نقلة فنية وبصرية للنشر المحلي. وفي عشية اضراب عمال المطابع المصريين في رمضان 1961م انقذ الأصفهاني الصحف اليومية والأسبوعية التي تصدر عن دار الأصفهاني من الاحتجاب. كان يجوب ليلاً مقار الصحف ليستعجل ماكيتاتها كما يذكر عبدالله جفري مُحرر صحيفة البلاد حينها في مذكراته. ومن اول من تمرن من المحليين على الآلات الحديثة في دار الأصفهاني شابان من اهل الباحة، هما أحمد حامد الغامدي (رئيس النادي الأدبي في الباحة فيما بعد)، وسعيد أحمد مصلح الغامدي (مدير جريدة الندوة المكيّة ومطابع رابطة العالم الاسلامي في مكة فيما بعد).
لعبت دار الأصفهاني دوراً جوهرياً في تطوير الصحافة والطباعة والنشر، وادخال أساليب فنيّة عصرية اليها. كما أسهمت الدار في صعود فنون الخط العربي المطبوعة، عبر احد ابرز خطّاطيها أحمد غنيم المكرمي الذي حمل اختصاراً اسم غنيم، ورافقت تصاميمه أغلفة المناهج التعليمية التي كانت تصدر عن الدار.
في عام 1992 استحوذت المجموعة السعودية للأبحاث والنشر على المطابع، ليخرج اسم دار الأصفهاني العريق من حينها عن المجال التداولي.
1955.. نادي السمرة.. ارهاصة أندية المجتمع العصرية. 
النادي في مزرعة معتوق حسنين. يبدو يونس سلامة يقابه محمد محتسب. عباس خميس يقابله عبدالكريم بكر. عبداللطيف جمجوم يقابه محمد ابراهيم مسعود ومعتوق حسنين والسيد حسن كتبي يقابلهما ابراهيم بكر زهران ومحمد نور جمجوم. (من أرشيف سامي خميّس)
من أمسيات النادي: يونس سلامة. عباس خميّس. محمد راسم. واحد القناصل الأوروبيين. (من ارشيف سامي خميّس)
حمل اول نادي اجتماعي تأسس أهلياً اسم النادي او السمرة، دلالة على العفوية الطاغية. وتأسس النادي عبر مجموعة من الشباب المعيّن حديثاً في وزارة الخارجية التي كان مقرها جدة، اضافة الى مجموعة من المعينين في ادارات الدولة وبعض التجار. كانوا يجتمعون بعد صلاة العشاء الى منتصف الليل، ويقضون المساءات في نقاشات فكرية وسياسية وادبية وفنيّة، وفي لعب الطاولة، ومن ثم توزيع البليلة او المطبّق او المقليّة وهي أكلات محليّة خفيفة.
ترافق مع ازالة السور، نزوح الأهالي بأعداد كبرى الى أحياء جديدة كالعمارية والكندرة والبغدادية والشرفيّة والهنداوية، التي أُترعت بالفيلات العصرية والحدائق، فصعدت معها أنماط اجتماعية حديثة.
والنادي امتداد لملمح (المقعد) الشهير في منازل بيوت جدة العتيقة داخل السور.
بدأ أعضاء النادي في التجمع على سقالة توتشل (سقالة الانجليز) التي كانت منتزهاً أهلياً عفوياً، ثم ما لبثوا ان انتخبوا مجلساً، واستقروا بين بضعة بيوت تنتمي الى أعضاء النادي. فاُنتخب يونس سلامة رئيساً، وعباس خميّسوعبدالكريم بكر نائبان. وكان من اعضاء النادي: سامي كتبي، محمد نورجمجوم، معتوق حسنين، عبدالجليل عبدالجواد، اسماعيل ابوداود، عبدالقادر عثمان، فاضل قباني، عبدالعزيز التركي، يحيى ابوالفرج، محمد راسم، الوزير احمد صلاح جمجوم كلما عاد من الرياض، السفير فؤاد ناظر، السفير محمد محتسب، عبداللطيف جمجوم، محمد ابراهيم مسعود، علوي كيال، محي كيال، سليمان توفيق، وابراهيم بكر زهران.. ينضم اليهم بعض السفراء المعتمدين والملاحق الذين يصطحبون زوجاتهم.
كان اعضاء النادي يصطحبون عوائلهم الى رحلات خارجية الى جزر الواسطة ووادي فاطمة وأبحر حينما كانت “خلا خالي”.. واستمر النادي من منتصف الخمسينات الميلادية الى نهاية الستينات.
وكان نادياً نسائياً مثيلاً قد انبثق في ذات الفترة، بذات الترتيب سُمّي بـ جميعة تركيب المقلة، اي تركيب الفروة، كان يتعلق بالزيارات الاجتماعية وتداول آخر أخبار النميمة الاجتماعية.
1955: دار الحنان.. ريادة الحركة النسويّة. 
سيسيل رشدي في احد الصفوف الأولية في دار الحنان. عام 1966
أسستها الملكة عفت عام 1955 كدار لرعاية الأيتام اولاً، ثم بعد عام من ذلك تلقّفت دعوات تعليم البنات الصاعدة أهلياً، فتبنّت في ذات المظلة  افتتاح مدرسة ابتدائية، تقاسمت بها ريادة تعليم البنات مع المدرسة النصيفية للسيدة صدّيقة شرف الدين، حرم الشيخ عمر محمد نصيف -مدير تعليم جدة السابق. والحقيقة ان كلا من دار الحنان والنصيفية انطلقتا في اجواء صاخبة، سبقت القرار الرسمي لتعليم البنات بخمس سنوات. النصيفية التي انطلقت أبكر بوقت وجيز، وتأسست في ملحق بيت الأفندي النصيف وسط سوق العلوي، اتخذت طابعاً تقليدياً، لا يختلف كثيرا عن تجربة مدرسة الفلاح للبنات التي أطلقها الشيخ محمد صالح جمجوم في 1930 وكان مقرها بجانب فرن جابر ومقلي العم يعقوب في حارة المظلوم.. لكن لحظة دار الحنان كانت الأكثر حداثة.
نشأت عفت الثنيان في اسطنبول- وجاءت لمكة مع اهلها في 1931 لأداء العمرة فتزوجها نائب الملك في الحجاز، (الملك) فيصل.. ولمبادراتها وأعمالها استحالت أيقونة للتحديث والعمل المدني في الحجاز والمملكة.
عُيّنت السيدة مفيدة الدباغ وهي رائدة نسويّة من أهل يافا، مديرة للمدرسة الوليدة، ولكن في عام 1963 ستتولاها السيدة سيسيل رشدي، وهي رائد نسوية من مصر خريجة الجامعة الامريكية، كانت بمثابة تربوية وامرأة حديدية صنعت سمعة الدار، ومكثت في أروقتها ما يزيد عن أربع عقود.
في 1964 بدأت المدرسة نشاطها الفني واقامة معارض للطالبات على نطاق أهلي واسع.. وفي 1965 انتقلت الى مبناها الجديد في طريق الميناء، الذي تبرع به رجل الأعمال والوجيه المحلي ابراهيم شاكر.
في 1966 تخرجت اول دفعة ثانوية أدبية ضمت سميرة محمود عباس قطان، التي ستستحيل اول دكتورة علم اجتماع في السعودية، يليها بعام تخرّج اول دفعة ثانوية من القسم العلمي كان من ضمنها ابنتيّ الأديب حمزة شحاتة: سهام وليلى. وفي ذات العام -اي 1966- أُدخلت حصة الرياضة للبنات كأول مدرسة تسعى الى ذلك في البلاد.
1956: كازينو المنتزه.. وأولى منتجعات جدة!
واجهة كازينو المنتزه من البحر. (أرشيف سامي خميّس)
نزهات بالسنابيك. (أرشيف سامي خميّس)
جسر البط في المنتزه. (أرشيف: سامي خميّس)
القادم من البحر كان يتبيّن له مقهى بمظلات أنيقة وطابع أوروبي حديث، تتصدر واجهته لوحة كتب عليها بالخط العربي العريض: المنتزه يرحب بكم وبالانجليزية: Almontazah Welcomes You. انه كازينو المنتزه، المقهي والنادي الترفيهي الذي تأسس بجانب مبنى البحرية وفندق قصر البحر الأحمر القديم، على ذات الأرض التي يقوم عليها اليوم البنك الاهلي التجاري، ليستحيل اول منتجع عصري يحفل بأنماط حداثية لم تكن تتوفر الا في القاهرة او الاسكندرية.
كان المقهى ملحق بمطعم فاخر للمأكولات الشاميّة وحدائق منسقة ونوافير وبحيرات للبط والوز والقرود، وفيه مرسى للسنابيك التي يمكن للرواد استئجارها للتنزه. كما وفر الكازينو ألعاب رياضية نخبوية لأول مرة في جدة كرياضة التجديف والبلياردو والبينج بونج. وكان دخوله حصراً على الطبقات المتعلمة والمخملية والأجانب المقيمين.. حيث يشترط للدخول رسوم تذاكر ومعايير محددة في الرداء والهندام (Dress Code).
كان من أشهر روّاد المنتزه من المحليين حُسني بخش وسراج ناظر وعرب اسماعيل و ياسين صالح صلاح وعدنان سمّان وسامي خميّس ويحيى بهاء الدين قرملي.
واُفتتح في جدة في ذات الفترة كازينو آخر اسمه كازينو باخشوين كان له تراس يحمل النسمات البحرية الباردة القادمة من بحر الأربعين ويشتهر بثرياته البارزة، ويقدم الجيلاتو الايطالي. ثم افتتح العطاس في حارة البحر احدث الكازينوهات الذي شكل يوم افتتاحه حدثاً فريداً.. كان  عبارة عن “روف توب” أعلى عمارة العطاس، بالدور السادس.. وكان الصعود اليه يتم بمصعد خاص للزبائن من زواية شارع الملك عبدالعزيز.. كان روف تب العطاس أشد المطاعم ترتيباً وشياكة وأُبهة، وأكثرها تمرداً على السائد والتقليدي!
1957 وما بعدها:  ليالي الصحافة.. في جدة.
عبدالمجيد شبكشي في صحيفة البلاد
 في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات الميلادية كانت الصحافة النابضة في جدة تعيش أوجها وذروتها. كانت الليالي الثقافية التي تقام على هامشها تحمل روحاً متوهجة تعكس تنوع الحياة الحديثة في جدة وقتها. كانت تلك الليالي تقوم اما في دار مطبعة الاصفهاني، بعمائر باخشب المحاذية لمبنى وزارة الخارجية، حيث يجتمع محمد حسين زيدانبعزيز ضياء وحسن عبدالحي قزاز وعبدالقدوس الأنصاري وياسين طه والأستاذ الوفدي المصري محمد مصطفى حمام، والشاعر طاهر زمخشري مؤسس مجلة الروضة للأطفال، ومحمد سعيد باعشن، وعبدالغني آشي – كلهم رواد الأدب والصحافة في الحجاز في رعيله الثاني والثالث المتوهّج.
او في مقر صحيفة البلاد في عمارة باخشب أيضاً، حيث أمين عبدالله قرقوري ومحمد عمر توفيق وحسن قزاز.. يختلفون الى مجلس رئيس التحرير محمد حسين زيدان الى جانب عزيز ضياء ومحمد الصباحي وضياء الدين رجب وياسين طه وعبد الله عريف قادماً من مكة.. كان الزيدان يدير مجلسه اليومي بكل أناقة ولياقة وكاريزما متوهجة. واستمر من بعده على نهجه -وان بلياقة أقل- عبدالمجيد شبكشي، حيث كانت البلاد مؤسسة صحيفة عملاقة، لعبت دوراً وطنياً رائداً كلسان حال الأدب الحديث وكمعقل للقيم الوطنية الحديثة، واستنبتت من أروقتها أغلب شُبان الصحافة الصاعدين حينها: عبدالله خياط وعبدالله جفري وعثمان مليباري وعبدالله الداري وسباعي عثمان ومحمد صادق دياب وحامد عباس وحسن الظاهري والكثيري والكاتب الشعبي والرسّام الصحفي يحيى باجنيد، والخطاط باحاج.
وتشغل عمارة باخشب موقعاً مركزياً متوهجاً في ذاكرة المدينة والأهالي، حيث كانت أولى العمائر التجارية العصرية، وأكثرها حيوية.. كانت تضم نخبة ممتازة مثل مكاتب أرامكو، والخطوط السعودية حيث احمد صلاح جمجوم مدير الخطوط، والقيادات الذهبيّة: شهاب عبدالجواد، كامل سندي، حمزة دباغ ورضا حكيم، والمدير الثقافي محمد علي اشموني، والمسؤول المالي سالم باديب ومساعده حسين هزازي – كانوا يتحلقون في جماعات حول الراديو في الخميس من أول شهر للاستماع لحفل أم كلثوم حيّا على الهواء. وكان في عمارة باخشب مكتب أحمد زكي يماني للمحاماة، يديره المحامي المصري المرموق أحمد فتحي حسين، وهو ايضا المستشار القانوني في مراحل التأسيس للخطوط السعودية.. وفيها مقر شركة المصافي العربية، ومؤسسة التنمية الزراعية التي أسسها عبدالله الدباغ، وزير الزراعة الأسبق، ومكاتب صالح صابر احد رواد شركة الاسمنت العربية، ومكاتب عبدالمقصود خوجة.
وعرف مكتب مجلة الرائد في عماير البنك الاهلي بباب مكة (كيلو 2)، تجمعاً ثقافياً آخراً ضم عبدالفتاح ابو مديّن وحمدان صدقة ومحمد سعيد باعشن وعبدالله مناع والشاعر الجدّاوي الزجلي محمد درويش “الشنب”.. يلتقون في مكتب سكرتير التحرير عبدالعزيز فرشوطي، وهو “أخف الحاضرين دماً وأوسعهم أفقاً” كما يؤكد عبدالله منّاع. كان يحضر جلسات الرائد الأديب الكبير محمود عارف، الذي كان يتقصد طرح الأسئلة المحرجة بصياغة بريئة لكن مقصودة.. وكانت صواني الشاي والقهوة تتواصل الى العاشرة مساء يعدها ويحملها ساعي مجلة الرائد ومعقبّها الشهير والظريف “جمعان”.
وكانت ندوة الرائد الليلية تضم الى جانب الاسماء الصحافية، نجوم الفن في المدينة؛ فوزي محسون، صالح جلال، وطلال مدّاح.. كما ضمت شبان الصحيفة الذين سيصعد نجمهم الصحافي فيما بعد: هاشم عبده هاشم، علوي طه الصافي، علي خالد الغامدي، مالك درار، محمد دمياطي، والزائران من جازان والرياض علي العمير وراشد الحمدان.
1957: صحيفة الأضواء.. بدايات تشكّل الوعي الوطني الجديد. 
أسسها في جدة الثلاثي الصحفي: عبدالفتاح أبومدين، ومحمد أمين يحيى، ومحمد سعيد باعشن- وهو ابن اخت الأديب الكبير محمد حسن عواد.. وقد وُلدت من رحم مجلة الرائد، لكن فكرتها انقدحت في منزل الوجيه الكبير محمد الطويل، رئيس الحزب الحجازي الوطني في عشرينيات القرن، فيما جاء التمويل من بيت زينل علي رضا بألفي ريال، أمر بها معالي الشيخ محمد عبدالله علي رضا.
انطلق العدد الاول في الاول في ذي القعدة عام 1367 هـ (يونيو 1957).. وفي قهوة بشيبش بجانب مقبرة الأسد وشارع قابل اعلى مكتب عبدالبديع اليافي، علّق ابو مدين ومحمد سعيد باعشن اعلانات، وهي أمتار من أقمشة كتب عليها:  “الأضواء: الصحيفة الأولى في جدة”، كتبها الخطّاط صنع الله..
ومنذ صدورها كانت الأضواء الأشرس في جدة ضد الامتيازات الأجنبية في حقول الزيت السعودية وناطقة بلسان حال العمال السعوديين من جدة غرباً حتى واحات القطيف شرقاً.. وهي على التهابها، وُلدت وماتت في عامين. اذ رفض الرقيب تمديد ترخيصها بعد اخضاع الملكيات الخاصة في الصحف لنظام المؤسسات.
وضم فريق التحرير شباب وطني انخرط لاحقاً في الحركة الوطنية أمثال عبدالعزيز عطية أبوخيال، وحمدان صدقة. واتخذت الصحيفة مقراً في شقة من عمائر البنك الأهلي التجاري في باب شريف، وكان مقابل الايجار اعلانات تنشرها الصحيفة عن البنك. وأسس أبومدين مكاتبها بالتقسيط من محلات الشيخ اسماعيل نوّاب، الذي كان يبيع المفروشات القديمة بسوق الحراج، في طرف السوق الكبير، بجانب باعة الذهب.
1958: محمد راسم.. أول كاريكتورست محلي!
انفردت مجلة التجارة بفن الكاريكتور
يُعتبر محمد أفندي أحمد راسم (1909-1973)، أقدم اسم ظهر في الساحة كفنان تشكيلي، اذ سافر الى تركيا في عام 1933م ودخل معهد الفنون الجميلة لأربع سنوات كان خلالها يقوم ببعض الرسوم في القسم الجينوكولوجي في جامعة استانبول تحت إشراف الأستاذ ويلهلم ليبمان. عاد راسم من استانبول في 1938 ليقدّم أول عرض فني في تاريخ جدة، لكننا -أسفاً- نعرف عن ذلك الحدث القليل. وراسم، وهو أصلاً من أهل الطائف، احد رواد الصحافة والتنوير، كان يكتب في صحيفة صوت الحجاز في مكة، وكان الى جانب أحمد السباعي ومحمد حسن عواد أول من دعا الى تعليم المرأة، اذ كتب مقالاً في صوت الحجاز، يوليو 1933م تحت عنوان: المرأة قوة يظهر فعلها في ولدها.
ترأس محمد راسم تحرير مجلة التجارة عند تأسيسها عام 1958.. وكان اول محلي أجاد فن الكاريكتور في البلاد بداية مع مجلة قريش المكيّة لصاحبها شيخ الصحافة السعودية الحديثة احمد السباعي. كان عضواً حيوياً في مجتمع جدة المدني.. بدأ موظفاً في البنك الهولندي في جدة عام 1928 ثم عُيّن اول امين لغرفة جدة للتجارة عام 1946 واستمر فيها حتى عام 1953
1960: مدارس الثغر النموذجية.. على خطى فكتوريا وأرقى مدارس الشرق!
حصة الجغرافيا يقدمها الأستاذ عبدالله أشعري. (الصورة متداولة على نطاق واسع)
حصة الجغرافيا يقدمها الأستاذ عبدالله أشعري. (الصورة متداولة على نطاق واسع)
تأسست مدرسة الثغر في الطائف اول مرة، لكنها انتقلت الى جدة في عام 1960، بمبادرة من جلالة الملك فيصل، بغرض تقديم تعليم عام نوعي يضاهي ذلك المتاح في دول الجوار. وتوّلى المدير المهيب محمد عبدالصمد فدا ادارة مدرسة الثغر، فجعل منها جامعة مصغرة، وانموذج اكاديمي وتربوي واداري، لا مجرد معمل لحشو أدمغة الطلاب بمناهج جامدة على النمط التقليدي القديم.
بدأت الثغر سابقة التوزيع الى مسارين: علمي وأدبي، وبدأ منها نظام الرائد.. وتزوّدت المدرسة بأرقى أشكال البنية الفوقية: من مختبرات حديثة، وقاعة محاضرات، ومكتبة احتوت على خمسة آلاف عنوان، ونظام تكييف مركزي، ومطبخ صحّي على الطراز الحديث، ومساكن داخلية للطلاب وللمشرفين، وملاعب. وكان كادرها التعليمي من أكفأ الأساتذة والمربيين الوطنيين أو العرب.
كان الفدا شغوفاً بالريادة والتفرد في مجال تخصصه التربوي.. وكان على صرامته الادارية، وعدم قبوله الشفاعة او التفاوت في المعاملة حتى مع ابناء الأمراء.. الا انه كان تربويا طليعياً: أدخل تدريس الموسيقى ضمن المناهج الدراسية، واستقدم من مصر أحمد رمزي لتدريس العزف على البيانو.. وأدخل الفنون الحديثة والرسم وجلب لها الأستاذ فدعان عمر. واطلق النشاط غير الصفّي والجماعات الطلاّبية. كان سباقاً لربط المدرسة وتوثيق صلتها بخدمة المجتمع: فاطلق الاسابيع الثقافية، معارض الفن التشكيلي، والليالي الموسيقية، التي كانت كلها تظاهرات مفتوحة للمجتمع المدني.
كانت بيئة الثغر تضاهي تلك الموجودة بالستينات في مدارس جبل لبنان او المدارس الاعدادية في كلية فكتوريا بالإسكندرية او ثانوية الجامعة الامريكية ببيروت. واستطاع الفدا ان يحوّلها من مجرد واجهة او ديكور للزوار والوفود الصحفية الأجنبية إلى مصنع حقيقي للرجال، ومصدر إشعاع وتنوير لا مجرد واجهة زائفة، كما يؤكد مُجايلون.
1961: مسرح الاذاعة.. أولى خطوات مأسسة الفن الطربي والدراما الاذاعية. 
فرقة الاذاعة الموسيقية في جدة.. حيث الادوار الكبرى لطارق عبدالحكيم وعلي باعشن
بدأت اذاعة جدة في اكتوبر 1949، ولم يكن مداها يزيد عن 10 كيلوواط. لكن المحطة الأبرز في تاريخ الاذاعة ترافقت مع صعود برنامج مسرح الإذاعة في 1961 الذي كان ملء الدنيا، وشاغل الناس، يُغني فيه طلال مداح وفوزي محسون ومحمد عبدالله وطارق عبدالحكيم وبقية نجوم الطرب المحليين.
كانت اذاعة جدة تسمى في ذلك الوقت مديرية الإذاعة، يرئسها عبدالله بالخير ويديرها عباس غزاوي.. وحينما كان الأخير لايزال مراقباً عاماً للاذاعة في 1960، كان له الدور الأبرز في اكتشاف المواهب الشابة مثلما فعل مع طلال مداح، الذي كان غزاوي اول من اكتشفه وجلبه لتسجيل أغاني لصالح الاذاعة.
تناوب على اخراج برنامج مسرح الاذاعة: محسن شيخ وعادل جلال، وكان المسرح متعدد الفقرات الغنائية التي تتضمن مشاهد وتمثيليات أخرجت للبلاد والحركة الفنيّة أهم طبقات  الممثلين الموهبين الذين صار لهم مكان في النفوس حينا من الزمن ومنهم: حسن دردير ولطفي زيني وعبدالرحمن حكيم ومصطفى فهيد والشريف العرضاوي ومحمد علي يغمور وعبدالرحمن يغمور وأمين قطان وخالد زارع.
كان علي باعشن رئيس فرقة الاذاعة الموسيقية في برنامج مسرح الاذاعة. وهو يتحدر من عائلة باعشن الجدّاوية الثرية في حارة الشام، والذي لفرط مكانته الاجتماعية اختار اسماً فنياً تمويهياً: رياض حسن علي!
وبعد حرب اليمن، انتزعت الاذاعة مساحات واسعة درامياً وسياسياً. وتضافرت الجهود التحريرية مع طاهر زمخشري، وسيف الدين عاشور، فيما كان للأديب الكبير عزيز ضياء برنامجه الاذاعي الخاص عن جدة.. وهو اول من اطلق من خلاله عليها لقب: عروس البحر الاحمر.
لقد شارك كبار أدباء الحجاز بشكل رئيسي في كتابة برامج الاذاعة الدرامية. فكتب حسين باشا سِراج، وهو رائد المسرح السعودي، مسلسل امجاد الجزيرة الذي استمر ثلاث سنوات، وقدّم للمسرح الاذاعي أبرز أعماله الخالدة في ذاكرة تعصى على النسيان: الشوق اليك، جميل بثينة، غرام ولاّدة، والظالم نفسه. وكتب احمد قنديل ومحمد حسن عواد وعبدالله منّاع اسكتشات وفوازير واغاني برع في اداءها محمد احمد الصبيحي، وغيره.
1962: الثقافة في الناقل الجوّي!
شكلت ادارة الثقافة والتدريب في الخطوط السعودية منذ تأسيسها معقلاً من معاقل التنوير والتنمية البشرية. وبدأت الخطوط برامج التنمية البشرية الرائدة وذائعة الصيت حينها بابتعاث قياداتها الى جامعة ستانفورد المرموقة لدراسة الادارة وكان من ضمنها حمزة دبّاغ، الذي سيؤسس حين عودته أحد أرفع برامج التدريب وتنمية القوى البشرية على المستوى الوطني.. خلق خلالها مناخا مهنيا كان الدعامة الأكبر في عهد الخطوط الذهبي، قبل التدهور المريع الذي ضرب مفاصل المؤسسة الجوية.
وانطلق النشاط الثقافي في الخطوط الجويّة العربية السعودية باطلاق مجلة الجناح الاخضر عام 1962.. التي كانت حدثاً وطنياً هاماً -يتزامن مع مجلة القافلة التابعة لأرامكو- ومرجعاً علمياً وأدبياً وفنياً. وتم تدشين موسم الخطوط الثقافي منذ عام 1968 ببرامج ومحاضرات دورية كان يلقيها كبار رجال الدبلوماسية والأدب العربي والثقافة الاسلامية: مثل عمر أبو ريشة ومحمد متولي الشعراوي والعلاّمة عبدالهادي ابو طالب.
وأنشأ حمزة دباغ نادي الخطوط الصحي والاجتماعي في ذات الفترة، الذي شيّد يوم افتتاحه على أحدث طراز. ثم اُفتتحت المكتبة المركزية بمبنى الخطوط، واشتملت على أطايب كتب العلوم والأدب المحلي والعربي والعالمي.. وآخر الدوريات والأدلة الخاصة بالطيران والسفر، قبل أن تُغلق المكتبة -دون تبرير واضح- أبوابها!
كان من طرائف مجلة الجناح الأخضر متابعتها لآخر تطورات أزياء مضيفات الطيران انسجاماً مع حقبة الستينات والسبعينات الانفتاحية.
1962: دوائر الطرب الحجازي في ذروته. 
الفنان الكبير: فوزي محسون. (المصدر: جريدة الرياض)
في شقته المطلّة على شارع الميناء يجتمع طلال مدّاح، مع رفيقيه لطفي زيني وحسن دردير – ذلك المثلث الفني الذي قدم للساحة الفنية أغزر التجارب وأشدها تنوعاً وثراءاً وأكثرها تماهياً مع روح الفن ورسالته.. من شقته المتواضعة تلك، يؤكد محمد صادق دياب، نُحتت أعمال طلالية خالدة مثل: “وردك يا زارع الورد” و”بشويش عاتبني”.. وطفق الثلاثي الفني يملأون سماءات المدينة بهجة وغناءً وتمثيلاً ومونولوجاً. وفي مقعد مزوي بسوق العلوي العتيق، يتربع الموسيقي عمر كدرس بملامحه الأبنوسية الصارخة متأبطاً عوده، ليعزف لتلميذه اليافع محمد عبده لحناً خالدا يصيغ به ثقافة الفتى الموسيقية: “يا سارية خبريني”. وفي تخوم حارة الكندرة: كان ثلاثي الطرب الحجازي الأكثر عمقاً وعلياءً: فوزي محسون، والشاعريّن القرينين صالح جلال، ابن حارة البحر، وثريا قابل، ابنة حارة الشام.. يتعاونون سوياً لاخراج أعمال محسونيّة تشم في شعرها الغنائي رائحة الأزقة والبرحات كـ”متعدي وعابر سبيل” او “سبحانو وقدرو عليك” او “من بعد مزح ولعب”.. يملأ محسون بها فضاء المدينة ألحاناً تزغرد في مسمع الأيام بحنجرةٍ صافية الرنين..
تلك هي دوائر الطرب الحجازي في ذروته ونشوته وعنفوان صبابة عشقه، كما احتضنتها حارات جدة وجنباتها ومنتديات أسمارها، واشتعل بها فتيل ليلها عقود وسنوات، ايقاعاً ومجاريراً وليالي ملاح تعلو فيه الدانة ولا تطيح.
1962: لطفي زيني – المُنتج الأول!
لطفي زيني وطلال مداح مع الموسيقار محمد عبدالوهاب
من موظف بسيط في إدارة البريد بمدينة جدة الى أكبر المنتجين العرب في الغناء والدراما وتعهد الحفلات الفنيّة. ذلك هو لطفي زيني، ابن شيخ طائفة دلالي العقار في جدة الذي يتحدر من عائلة مكيّة، الذي جيّر صداقته مع طلال مداح وحسن دردير في انتاج اعمال فنيّة خالدة: انتجها عبر شركات انتاجه المتعاقبة: رياض فون للاسطوانات الغنائية (1962)، واستديوهات زيني فيلم بألمانيا الغربية (1965م)، ثم بعد ان نقلها الى تونس.
1962: سينما الأحواش.. في جدة. 
جهاز السينما الذي كان يستورده فؤاد جمجوم حصرياً في جدة. (المصدر: الشرق الأوسط: 7 مارس 2003 العدد 8865)
 كانت السينما متوفرة في جدة وهي لا تزال متلحفة بسورها: في الدور الثاني من السفارة الهندية التي كان مقرها ببيت باجنيد بحارة البحر، او في عروض خاصة ببيوت الميسورين.
لكن السينما بوصفها ملمح جماهيري انطلقت في جدة عن طريق رائد السينما التجارية فؤاد جمجوم في عام 1962.. الذي وفّر قاعة للعرض في حارة الجماجمة بحي البغدادية أمام مقبرة أُمّنا حواء.. وافتتح بجانبها متجراً لتأجير أجهزة السينما التي عمد إلى توريدها إلى باقي الأحواش المشتغلة بعروض السينما والى الأفراد. وبفضل فؤاد جمجوم ازدهرت أحواش السينما في جدة من بعد 1962 فكان هناك الى جانب سينما الجمجوم، سينما محمد أبوصفية في حي الهنداوية، وسينما سراج سحاحيري في حي الشاطئ وسينما عبدالله صالح الغامدي في كيلو 2، وسينما سفيان فطاني في العمارية.. ناهيك عن سينما نادي سلاح المظلات، ونادي السفارة المصرية، والنادي العسكري الأمريكي في طريق المدينة الطالع.. التي كانت غالبيتها تعرض أفلاماً بعد مغرب كل يوم وتشهد انتعاشاً أكثر وضوحاً في إجازة نهاية الأسبوع، وتتراوح أسعار الدخول بين ثلاث وعشر ريالات لمشاهدة آخر الأفلام المصريّة والأمريكية.
كان حوش سينما الجمجوم بالبغدادية غير مسقوف، تصطف فيه الكراسي الخشب، وكانت الجلسات فيه عائلية بلا تفرقة. كان بمقاييس زمانه الأكثر أُبهة والأغلى ثمناً للدخول، بخلاف الفروع الآخرى لسينما الجمجوم التي افتتحها فؤاد جمجوم مع اخيه عبدالعزيز في حارتي البخاريّة وباب شريف.
ولم يخلو الأمر من المنغصّات.. فكانت حالات الوشايّة التي يتعرضون لها غالباً ما تنفض حينما يثبتون ان الافلام التي يعرضونها لا تحتوي على أجزاء اباحيّة. وكان فؤاد جمجوم في بدايات التجربة يتعرض للسجن والمُسائلة، لكن سرعان ما يخلى سبيله لمكانته الاجتماعية.
ومن طرائف ذاكرة المدينة.. ما حدث للشخصية الشعبية المعروفة في حارة اليمن: محمود بارودي الذي كان يتمتع بقدر هائل من الظرف والنكتة وطول اللسان.. ويعمل في اي شئ يصل الى يده.. حين فكّر في عرض سينما لأهل حارته، وهي حارة العمال والمسحوقين، فرتّب مكانا في أحد الاحواش المهجورة مقابل ريال للنفر، وفي اول عرض قُبض عليه من الشرطة.. وحين استقبله مدير شرطة جدة فريد صبان، وكان يعرف البارودي جيدا، سأله ألا تعرف ان السينما ممنوعة؟ .. فردّ البارودي عليه: “نعم اعرف ذلك ولكن هذا المنع لا يشمل الأغنياء والأعيان والقناصل الذين يعرضون السينما داخل منازلهم وأحواشهم”.. فأفرج عنه الصبان.
لجأ فؤاد جمجوم الى الانتاج السينمائي في مصر بعد نكسة 1967م.. وخرج بحصيلة هائلة من الأفلام التجارية وأفلام ما بعد النكسة اما كمنتج او موزّع.
وقد حاول ادخال المسرح التجاري الى جدة في عام 1980م، حينما تعاقد مع كبار النجوم العرب مثل فريد شوقي وحسين فهمي وحسن مصطفى، ومن المحليين فؤاد بخش ولطفي زيني، ومضى في البروفات وتحضير المسرح والديكور استعدادا لأول عرض مسرحي عربي ـ سعودي جماهيري.. قبل ان يوقفه الرقيب.
1962: فندق جدة بالاس. 
وُجدت الفنادق الحديثة في جدة منذ مطلع الخمسينات وكان ابرزها فندق بساتين جدة الذي اسسه وزير المالية عبدالله السليمان مع فندق قصر الكندرة. لكن فندق جدة بالاس او (قصر جدة) كان الاكثر أناقة واقتباسا لآخر صرعات عوالم الضيافة والفندقة. تأسس في ميدان البيعة، الى جانب وزارة الخارجية وحديقة الشعراء. وبنته شركة النسر العربية للمقاولات التي يملكها محمد علي موصلي. وكان الفندق يحتوي على صالة عرض كبرى استضافت اغلب مناسبات الفترة الاجتماعية والفنيّة وحتى السياسية حيث كان مسرحاً  حيّاً لخطابات الملك فيصل الرنانة.. ناهيك عن احتضانه للعروض السينمائية.
1962: النشاط الثقافي في أندية الرياضة. 
عبدالله منّاع يلقي محاضرته "المستقبل" في نادي الاتحاد عام 1964 (المصدر: أرشيف عبدالله منّاع)
عبدالله منّاع يلقي محاضرته “المستقبل” في نادي الاتحاد عام 1964 (المصدر: أرشيف عبدالله منّاع)
انطلق النشاط الثقافي في نادي الاتحاد بمقره القديم بالبغدادية عام 1962 بمحاضرة للدكتور والمصرفي المعروف -ابن جدة- يوسف نعمة الله، عن تغيّر سعر الدولار وانعكاساته على اقتصاديات المملكة.. ثم توالت المحاضرات فألقى أحمد جمال محاضرة بعنوان: مسؤولياتنا عن الشباب، وعبدالله مناع محاضرة بعنوان: المستقبل. وكان النادي يستضيف محاضرات النادي الأدبي، وحلقات من البرنامج الاذاعي الشهير: سهرة من بلادي.
واستلم عبدالله منّاع، العمل الثقافي في النادي ضمن مجلس ادارة المثقفين الذي شكله الأب الروحي للاتحاد يوسف الطويل برئاسة لعبدالسلام باناجه (1966).. وشهد اشراف المنّاع استضافة النادي لأهم محاضرتين.. المحاضرة الأولى، للشاعر الغنائي طاهر زمخشري التي حملت عنوان: العين بحر.. وشهدت لغطاً كبيراً حينها. ومحاضرة أخرى للأديب المكّي الكبير أحمد السباعي.
وانطلقت المحاضرات بالنادي الأهلي في عام 1963 بمحاضرة للأديب الرائد: محمد حسن عوّاد.. ثم توالت المحاضرات الفكرية، وكان مهندسها رئيس الأهلي آنذاك الشيخ عمر عبدربه وصديقه الشيخ عبدالرحمن سرور الصبان – وكلاهما مقرب من أدباء المدينة.
من جمهور محاضرات نادي الاتحاد في مقره بالبغدادية. ويبدو في الصف الأول المثقف الكبير محمد حسن عوّاد. (أرشيف عبدالله منّاع)
من جمهور محاضرات نادي الاتحاد في مقره بالبغدادية. ويبدو في الصف الأول المثقف الكبير محمد حسن عوّاد. (أرشيف عبدالله منّاع)
1963: أسماء زعزوع.. أول صوت نسائي محلي. 
في عام 1963 كان صوت أسماء زعزوع.. أو ماما أسماء، وهي زوجة الأديب عزيز ضياء، يتهدج عبر أثير اذاعة جدة، معلنا عن اول صوت نسائي يصافح وجدان السعوديين. تدربت أسماء في اذاعة عموم الهند في نيودلهي لمدة شهر في أواخر الاربعينات الميلادية حينما رافقت زوجها عزيز الذي كان اول سعودي يعمل في اذاعة بالهند.. بدأت أسماء كمذيعة ربط، وتشغيل الاسطوانات داخل الاستيديو، فشجع فريق واستنكر آخر.
وبعد اسماء حضرت نجدية الحجيلان -حرم عباس غزاوي وشقيقة وزير الاعلام جميل الحجيلان- التي كانت تقدم برنامجا للمرأة، والآنسة فاتنة شاكر التي كانت تقدم برنامج البيت السعيد  – كن اولى الرائدات.
1963: نادي البحر الأحمر. 
لما كانت الاندية في جدة: الاتحاد والاهلي والهلال البحري تركز على الكرة والرياضات الخفيفة.. أسس محمد الفيصل نادي البحر الأحمر بعيد عودته من امريكا كنادي رياضي نوعي وثقافي: نظّم مسابقات سنويّة في السباحة في خليج أبحر، وكان النواة التي تأسس من خلالها اتحاد السباحة، كما نظّم معارض فنيّة، وأقام دورات في تأهيل الصحافيين الرياضيين.
كان من أعضائه وأصدقائه الدائمين: عبدالعزيز مؤمنة رئيس تحرير مجلة الأسبوع التجاري اول مطبوعة متخصصة، وابراهيم زاهد وعصام قطان.. لم يستمر النادي طويلاً، مع انفضاض اهتمامات مؤسسيه وانصرافهم عنه.
1963: عبدالقدوس الأنصاري.. راصد تاريخ المدينة. 
عبدالقدوس الأنصاري هو احد روّاد الأدب والصحافة في الحجاز ضمن رعيله الأول والتأسيسي.. كان أول من نشر رواية حديثة في تاريخ البلاد: التوأمان (1930م) وهو مؤسس مجلة المنهل الأدبية. رصد الأنصاري، وهو من أهل المدينة المنورة أصلاً، جوانب هامة من تاريخ مدينة جدة في كتاب موسوعة تاريخ مدينة جدة، الذي نشر جزءه الأول في 1963، ويُعتبر اليوم احد مصادر التاريخ والطبيعة والجغرافيا لمدينة جدة.
1963: الجمعية النسائية الخيرية بجدة.. النهضة النسائية المدنيّة. 
بدأت الجمعية النسائية الخيرية بجدة في دار صغيرة بالكندرة، بالأجرة، كانت اعمالهن تنحصر في المستوصف الخيري الذي تبرع به وبتجهيزاته الدكتور الشاب عبدالقادر الترك .. وكانت الجمعية تعالج فيه خيرياً كل من يلجأ اليه من النساء والاطفال.. وكان يتناوب على ساعات المستوصف بشكل تطوعي الدكتورة ليزا رشيد، وعبدالقادر الترك، والدكتورة جوردانا.
تأسست الجمعية، التي تحمل الترخيص رقم (1) في المملكة، في فبراير 1963 برئاسة شرفية من الملكة عفت الثنيان، ومبادرة من حرم الشيخ يوسف الطويل، وهي من بيت شنكار، وعضوية 92 عضوة تدفعن اشتراك سنوي مقداره 25 ريالاً.. وفي أواخر عام 1964 وعد الشيخ عبدالله السليمان بالتبرع لبناء مقر جديد للجمعية، لكن الموت ادركه ولم ينفذ ابناؤه رغبة والدهم من بعده.
وفي مطلع عام 1964 توسعت انشطة الجمعية الى تنظيم صفوف لمحو الأميّة، وتعليم الأشغال اليدوية، وانشاء لجنة ثقافية ملحقة بمكتبة ضخمة.
ودعا مجلس ادارة الجمعية النسائية بجدة الجمعية العمومية لانتخاب مجلس ادارة جديد.. فلبّت الدعوة 67 عضوة وأنابت بعض العضوات عنهن بعض الحاضرات.. وتم انتخاب ست عضوات لمجلس الادارة الجديد بحسب اللائحة.. ففازت:
جهان الدجاني الأموي (63 صوتا)، نفيسة المغربي (57 صوتا)، سعاد الجفالي (53 صوتا)، ليلى حسين علي رضا (47 صوتا)، طيبة العطّاس (35 صوتا)، ليلى الموصلي (34 صوتاً).
ثم فتح الباب الترشيح لعضوات جديدات ففازت: سعاد محتسب، هالة المالكي، عديلة مصطفى جواد، محاسن الخطيب، رأفت باحارث، وبارعة أبوالحسن.
استلم الجانب الثقافي بالجمعية: السيدة مصباح الترك، والسيدة ليلى علي رضا، فيما ترك الجانب الديني للسيدة: صدّيقة نصيف. وشارت في التدريس في فصول محو الأميّة السيدتان: أمينة جمجوم، وهيام أبوالسعود، والآنسة خيرية ابوالسعود. فيما كانت حرم الشيخ محمد علي مغربي مهتمة بالشئون الاجتماعية.
وانشأت الجمعية اول فرقة مرشدات في المملكة.. بدأت بثماني وعشرين طالبة في الثانية عشر من اعمارهن من مختلف المدارس يداومن في المركز مرة كل اسبوع من العاشرة حتى الثانية عشر، تشرف على تدريبهن السيّدة مادلين ايرني حرم القائم بأعمال السفارة السويسرية بجدة.
1965: انطلاق الجامعة الوطنية.. بجهود أهلية. 
أعضاء اللجنة التأسيسية لجامعة جدة الأهلية في لقائهم مع جلالة الملك فيصل.
أعضاء اللجنة التأسيسية لجامعة جدة الأهلية في لقائهم مع جلالة الملك فيصل.
“لقد روادت فكرة قيام جامعة أهلية أذهان الكثير من رجالات البلد”.. هكذا جاءت افتتاحية أحمد صالح شطا، وزير التجارة السابق، في صحيفة البلاد، ملخصاً قصة تأسيس جامعة جدة الأهلية، التي دعا اليها أول مرة محمد علي حافظ عبر جريدته المدينة -مثلما فعل قبل ذلك في تأسيس الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة.
تعالت الأصوات بين الأهالي، والتئمت الارادات العالية، فتكونت لجنة تحضيرية من الكتّاب الصحفيين والتكنوقراط ورجال الأعمال من الأهالي، ضمت: أحمد صالح شطا، احمد صلاح جمجوم، عبدالله الدباغ، محمد ابوبكر باخشب، وهيب بن زقر، محمد علي حافظ، ومحمد عبدالصمد فدا.. وكانوا يقضون اجتماعاتهم في مدارس الثغر.
وافتتح تاجر النقليات محمد أبو بكر باخشب باشا التبرعات في يوليو 1964 بمبلغ ضخم بمقاييس ذلك الزمان، وهو مليون ريال..  تلا ذلك بثلاث أشهر احتفال كبير أقيم بمدارس الثغر لبدء حملة التبرعات للجامعة حيث فاقت قيمة التبرعات من الأهالي أربع مليون ونصف المليون.. يذكر عبدالله مناع، وهو كاتب صحفي وطبيب أسنان، انهم في مديرية الصحة تبرعوا برواتب شهر من تلقاء ذاتهم لتأسيس الجامعة الوطنية، ويذكر حسن بشاوري، الطالب في ثانوية الشاطئ حينها تطوعه لرفع الموارد المالية لتحقيق حلم التأسيس.. منح الوزير عبدالله السليمان الجامعة فيما بعد اربع فلل كان قد بناها لابنته كانت الأرض التي انتقلت اليها الجامعة.
وتكونت لجنة تأسيسية بالانتخاب ضمت عشرين شخصية أهلية ممتازة. وعُيّن نائب رئيس الهيئة التأسيسة، أحمد عبيد، كأول مدير لجامعة جدة الأهلية، التي بدأت من شقة متواضعة في شارع الملك عبدالعزيز تحت صيدلية تمر المعروفة في مدخل شارع قابل، بمائة وأربعين طالب، قبل ان تتوسع ويتحوّل اسمها بعد تبني الدولة لها الى جامعة الملك عبدالعزيز.
كان عبيد يقوم بأعباء الادارة والحشد المالي كأحد أضلاع التأسيس، كما يشرف على الإبتعاث، وعلى تعيين أعضاء هيئة التدريس يُساعده من المحليين الدكتور حسن أبو ركبة، الدكتور محمد عمر زبير، والدكتور أحمد محمد علي أول وكيل للجامعة. مكث عبيد في منصبه الى أن عاد أول مبتعث من الجامعة بالدكتوراة في تخصص التاريخ وهو الدكتور محمد الزيان. وكان من أوائل من طبّق نظام الساعات (الأمريكي) على مستوى الجامعات العربية بعد أن كانت تسير بنظام السنة الدراسية. كان له دور ريادي في حسم تعليم المرأة الجامعي.. اذ قام بمبادرته الذاتية بالحاقهن، متصدياً لممانعة رهيبة من التيار الديني ورئاسة تعليم البنات في حينها.
1965: أول معرض للفن الحديث في جدة.
وُلد عبدالحليم رضوي في حارة أجياد في مكة عام 1939 وعاش فيها طفولة قاسية بعد وفاة والده قبل ان يكتشف موهبته الفنية الباكرة. ولغياب المعاهد الفنية او الحد الأدنى من ملامح الحركة الفنية، غامر الرضوي من تلقاء ذاته ورحل الى روما لدراسة الفن.. قاسى في غربته ظروفاً قاسية، فكان يعمل كدهّان، لتوفير قوته اليومي.. ثم ضُم الى البعثة الحكومية، حتى حصل على ليسانس فنون الديكور الفني من اكاديمية الفنون الجميلة عام 1964م.
وفي مارس 1965 سيفتتح رضوي، أول معرض فني حديث في تاريخ جدة والبلاد نظّمه نادي البحر الأحمر.. حضره عشرات منهم الشيخ المهيب سليمان ابوداود، ومدير الثغر: محمد عبدالصمد فدا ومجموعة من الصحفيين والمهتمين بالفن.
اتسمت أعمال الرضوي بالطابع التجريدي، وتمحورت أساليبه الفنية حول فكرة الدوائر والاسلوب الزخرفي، وفي توظيف عناصر التراث والبيئة المحلية من عمارة ورقصات وأهلّة ونوارس بحر وعبارات تراثية.
والرضوي هو رائد الفن الحديث بكل المقاييس. انتاجه يفوق الـ 3300 عمل من الرسم والكولاج والنحت والمجسمات الجمالية والجداريات. وتقتني متاحف عالمية اعماله مثل: متحف الفن الحديث في ابيزا.. وفي ريودي جانيرو.. وفي زيورخ.. وفي سان ماركو في روما.
1966: مسرح التلفزيون.. الفن في جدة يولد راشداً. 
فوزي محسون في احد ليالي مسرح التلفزيون
في ربيع عام 1966 ستشهد جدة احد ابذخ لحظاتها الفنية والاحتفالية مع برنامج: مسرح التلفزيون.
كان مسرح التلفزيون يقدم ليالي طربية.. واسكتشات تشتمل على النكتة وتقليد الاصوات والمونولوج.. ناهيك عن السهرات الدرامية.. التي وُلدت كلها راشدة، بعد مرحلة طويلة من الانضاج تحت مظلة الاذاعة.
أخرج مسرح التلفزيون عمالقة الحركة الفنية. غنائياً: طارق عبدالحكيم وعبدالله محمد وفوزي محسون وطلال مداح والحضرمي المستقر في جدة ابوبكر بلفقيه.. وكوميديا: حسن دردير ولطفي زيني والموصلي وعبد الله الصائغ.
وكان من مؤسسي مسرح التلفزيون واوائل العاملين فيه: المخرج نهاد ادريس، وبشير مارديني وطارق ريري وعبدالعزيز أبو النجا وعبدالله باجسير..
تحفة (لطفي زيني) ومشقاص (حسن دردير)
واستهل مسلسل محلات مشقاص للخدمات العامة، من بطولة حسن دردير وتأليف لطفي زيني وجلال أبوزيد واخراج بشير مارديني باكورة الدراما التلفزيونية. وفي عيد 1969 قدم لطفي زيني وحسن دردير اول مسلسل كوميدي محلي: تحفة ومشقاص من اخراج محمد قزّاز. تلاه مسلسل في فندق المفاجئات عام 1971 من بطولة حسن دردير ولطفي زيني ومن إخراج طارق ريري. ومسلسل عمارة العجائب عام 1973 بطولة لطفي زيني وحسن دردير وعبد العزيز الحماد و فريال عبد الكريم وإخراج طارق ريري.
1967: محمد سعيد فارسي.. مهندس جدة الحديثة. 
محمد سعيد فارسي مع الفنان العالمي سيزار يناقشان مجسم (العين) القائم الان في متحف جدة المفتوح للفن الحديث (المصدر: هاني فارسي)
محمد سعيد فارسي،رئيس بلدية جدة الحالم والعاشق للفن والجمال، الذي ما أن عاد من بعثته من الإسكندرية، حتى جيّر نزعته الفنية والجمالية، لنقل التجربة المتمدنة التي عايشها في عروس البحر المتوسط الى مدينته الساحلية جدة.
رأس فارسي بلدية جدة من عام 1972م حتى 1985.. لكنه بدأ الاشراف فعلياً على جدة منذ عام 1967 حينما كان مدير التخطيط.. وفي ذلك العام بدأ فارسي اولى مشاريع تجميل جدة بتنسيق حديقة الشعراء، وتوزيع احواض زهور امام وزارة الخارجية بالبغدادية الى محطة كتبي. كما بدأ أعمال المجسمات مع الفنان المحلي عبدالحليم رضوي في كيلو 2 بلوحة جدارية ملونة بالزيت الأزرق ومشتقاته… تلاه عملان مع الرضوي ذاته: الأول يعبر عن السمو ممثلا في جناح طائر، والثاني يُعبر عن البحر… ثم توالت المجسمات حتى وصلت الى 400 قطعة. وكان النصيب الأوفر فيها: للاسباني جوليو لافونتي (53 عمل)، والألماني هولمان (15 عمل)، والفرنسي فكتور فازاريللي (10 عمل)، والمصري صلاح عبدالكريم (17 عمل) والسعودي عبدالحليم رضوي (20 عمل)..  وأعمال للانجليزي مور والفرنسي سيزار.. ثم ذهب فارسي الى اقتناء اعمال عمالقة الفن الحديث من المزادات العالمية: خوان ميرو.. وليبشيز.. وهارب.
وباستثناء الدراجة الضخمة البشعة (50 قدم).. اتسمت المجسمات بوحدة جمالية ومضمون يقارب العلم والتقنية والطبيعة خصوصا البحر.. والتراث الاسلامي. يقول محمد سعيد فارسي في افتتاحية كتاب قصة الفن في جدة (1989) : “كان اختيارنا البدائي الأول مزيجا من الألوان والتراكيب على لوحة جدارية تستوحي البحر في زُرقة الماء والسماء وألوان الأشرعة والأصداف والرمال”.
وكان تمويل الاعمال الجمالية خالصاً على القطاع الخاص. فيما كان الفارسي يشرف عليها شخصيا او ينوبه نائبه في البلدية المهندس بركات باجنيد والمهندس عبدالوهاب كابلي رئيس بلدية جدة الوسطى مع اللجنة العليا للتنسيق برئاسة الدكتور عبدالمجيد داغستاني والشركات المسؤولة عن تنفيذ المخطط والشركة الاستشارية. يذكر عبدالمجيد كيال، مدير فرع وزارة التجارة في جدة حينها، ان الفارسي اجتمع مع كبار تجار جدة برئاسة اسماعيل ابوداوود.. لحثهم على الاشتراك في مشروع التنسيق والتجميل.
 اطلق الفارسي اول حملة بالمعايير الدعائية الحديثة في تاريخ المدن العربية تحت شعار: “تجميل” التي كان من اهدافها توفير مسطحات خضراء، اعادة تأهيل التراث المعماري، زرع النوافير، وتقديم المجسمات الجمالية.. كانت الحملة، التي اتشحت بلون التركواز تدور حول ثيمة: ايقاظ المشاعر المدنية عند الأهالي.. فطليت حاويات القمامة باللون التركوازي، كما وزعت مطويات بذات اللون حملت شعار: “فلنتعاون على جعل جدة انظف”.
كان الفارسي يفرض على عقود المقاولين دفـع 2% من قيمة المناقصة، لأجل مشاريع تحسين المدينة.
وتعاقدت البلدية مع الشركة العربية للتنظيف في عقد مدته خمس سنوات، مقابل 380 مليون دولار.. يقضي باحضار جيش من عمال النظافة الذين يرتدون الأوفارول التركوازي: 4000 عامل لالتقاط القمائم.. (وكانت النفايات في جدة عام 1984 تصل الى 3 الاف طن). حد ان صحيفة الهيرالد تربيبون كتبت عن انموذج جدة الجمالي والبلدي باعجاب وثناء شديد.
صُرف على جدة في فترة الفارسي ملياران و400 مليون دولار.. منها 630 مليون دولار للتجميل.. 54 مليون منها ذهبت فقط للاند-سكايبنغ والتشجير. ومن شجرة واحدة زُرعت في العشرينات الميلادية امام بيت نصيف، أتم الفارسي زرع 6 مليون شجرة.
واختار الفارسي نباتات صحراوية لا تستهلك مياه وافرة متآلفة مع البيئة وتحمل مسحة جمالية وألوان زاهية: مثل ورود الدفلة الحمراء التي تنمو في صحراء كاليفورنيا، وورود بنت القنصل المكسيكية، ونبات الخطمي الصيني، والياسمين، والورد الجهنمي (ذي الوريقات الخفيفة البنفسجية)، وورود البلوميرا الكاريبية ذات اللون الأبيض.. التي باتت كلها جزء من هوية المدينة البصرية.
شيّد الفارسي:  300 حديقة.. 50 ملعب عشبي.. 60 نافورة مائية.. و3000 مراكن ورود. ومنح لجدة كورنيشها المفتوح بعد ان كانت الاحواش والهناغر الخاصة تحجبه عن أعين الجمهور.. وشق احد اكبر الكباري صعوبة وهو كبري الميناء، وشق احد اصعب الشوارع (شارع ولي العهد) لأنه يمر بعشرات من العمائر وعشرات من الفلل والبيوت في قلب المدينة وفي الجزء الخاص بمنطقة الشرفية.
لقد أحدث الفارسي انقلابا كوبرنيكياً في تأثير الفنان والمثقف.. وبخلاف الأديب او الشاعر كانت اعماله تنطق في شق الطرق، وتوفير المساحات الخضراء، وفي المجسمات الجمالية التي تمنح المدينة بهجتها واعتزازها.. حد ان رئيس تحرير البلاد محمد حسين زيدان، الذي كان من ضمن رواد الأدب اعترف بذلك التبدل القيمي قائلاً:  “ان محمد سعيد فارسي جنى علينا جناية كبيرة نحن معشر أدباء الطليعة.. لقد انتهى عصر الأدباء.. وجاء الفارسي فارس حلبة يعطي المهندس هذه القيم، فإذا المهندس الوزير وإذا هو الخبير، وإذا المهندس الوالي. فإن لم يكن له فضل التعمير في الأرض فإن له فضل التعمير على هؤلاء المهندسين الذين أصبحوا الطليعة الآن.”
كان الفارسي، وهو ابن شيخ الجواهرجية في مكة والمتحدر من اثرى عائلات حارة المسفلة، كان يتنقل بجهاز هاتف ملحق في سيارته لايفارقه، وكأنه نقل مكتبه الخاص الى حيث يرحل.  يقول عنه رفيقه عبدالله مناع: “نقل العام إلى الخاص، وعمل في جدة كأنه يعمل في مشروع خاص به وبأسرته فقط.. ولذلك أعطاها من جهده ومن عرقه ومن بذله ومن فكره ومن روحه الشيء الكثير والكثير.. “.
– الفارسي والرضوي: 
مجسم جرة الفول للرضوي
بدأت باكورة اعمال التجميل في جدة بتعاون بين محمد سعيد فارسي مدير التخطيط، وعبدالحليم رضوي الفنان المحلي العائد لتوه من روما. ونفذ عبدالحليم رضوي 20 عملاً اتسمت بالأفكار المحلية التي صُنعت بثروة جدة المعدنية مثل بقايا الرخام التي كانت تُجلب من مصنع عباس نور.. وفي مجسم “جرّة الفول” يعترف رضوي انه اهداه تقديراً لمعلمي الفول في جدة القديمة: العم عبدالقادر الأمير، والقرموشي.
– الفارسي والفنانين: 
النحّات عاطف الريّس في جدة
أحاط الفارسي نفسه بمجموعة من الفنانين العالميين الذين كانوا يجدون في جدة ملتقى فني ومركز لأعمالهم. مثل خوليو لافونتي، وهو مصمم مجسمات الكنداسة الثلاثة، الذي كان صديقا دائما لجدة. وكان يمكث في جدة بصفة دائمة الفنان اللبناني ذي الثقافة الباريسية عاطف الريس، صاحب فلسفة استنطاق التماثيل، خلافا لتمثال بلزاك في باريس حيث الجمود. قدّم الريس اعمال غزيرة لجدة اشهرها: ميدان السيف.
– الفارسي.. ميديتشي الألفية:
تمثال حقول الشمس على كورنيش جدة، للفنانة الفنلندية ايلا هولتنين
جلب الفارسي الفنانة الفنلندية إيلا هولتنين عام 1979 بدعوة رسمية.. فقدمت لجدة عملين لها: شعلة الحياة..وحقول الشمس.. وكلاهما مذهّبان لمقاومة شمس جدة وجوها الرطب. قالت عنه هلتونين: “الفارسي هو لورينزو ميدتشي العصر الحديث” كناية عن آل مديتشي نبلاء فلورنسة الذين رعوا فنون عصر النهضة.
– هذا دليل لمسات الفارسي على جدة كما تركها.. الصور من أرشيف أرامكو:
1968: صفية بن زقر ومنيرة موصلي.. ريادة الفن النسوي!
في ابريل 1968 نظّمت منيرة موصلي وصفية بن زقر معرضا تشكيليا مشتركاً في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة حقق نجاحاً جماهيرياً هائلا، وحضره مسؤولين وممثلو سفارات. عرضت فيه بن زقر 22 عملا فنيا (بيع منها 15) وموصلي 35 عملا (بيع منها 6)..  كانت بن زقر، وهي ابنة حارة الشام بجدة، قد تخرجت من القاهرة، فيما كانت موصلي، وهي ابنة حارة أجياد بمكة، لا تزال تدرس الفنون الجميلة بالقاهرة.. لكنهما لمستا ضرورة نقل الفن الى جدة ليتذوقه جمهورها الصاعد. افتتح المعرض أمير مكة مشعل بن عبدالعزيز، وقدّم لهما في الكتيّب الذي وُزّع على هامش المعرض، عبدالله بوقس مدير التعليم بجدة.
اشتهرت صفية بن زقر بأعمالها الانطباعية التي رصدت فيها أجواء جدة القديمة والحجاز، بمسحة تقشفية تعزوها بن زقر نفسها لتأثرها بالمدارس البدائية كما عند فان جوخ. ومن أشهر لوحاتها على الاطلاق: لوحة الزبون، وهي امرأة ترتدي الزي الحجازي التقليدي المعروف بالزَبون، ولطالما عرفت بأنها “موناليزيا الحجاز”. افتتحت بن زقر دارتها للفنون في جدة: دارة صفية بن زقر في عام 2000، بعد تسع سنوات من التخطيط والبناء.
منيرة موصلي، قبل أول عروضها المنفردة في جدة عام 1972
اما منيرة موصلي، فتخرجّت من كلية الفنون الجميلة القاهرة عام 1972.. وحصلت على دبلوم تصميم من كاليفورنيا بعد ذلك بست سنوات. عملت أولاً مُدرسة ورئيسة لقسم الفنون في مدارس دار الحنان، ثم تفرغت للفن. ويقتني متحف الفن الحديث بمدريد احد اعمالها منذ عام 1989.. ولها كولاج شهير باسم: أحزان البدو.. وجداريات.. وزيتية بإسم أرضي وناسي مقاربة للوحة الزبون لبن زقر.
..
..
1968: مركز الفنون الجميلة.. اولى مبادرات الفن المؤسسية.
احدى لوحات البروفيسور رضوي
أسسه عبدالحليم رضوي كأول مؤسسة أهلية تعني بالفن. وكان يديره منذ تأسيسه الى اغلاقه عام 1974.
والحقيقة ان مركز الفنون الجميلة كان اول محاولة جادة لتطوير الفن التشكيلي، التي حملت معها ثمار واضحة. وخلال عمره القصير جذب المركز الفنانين والهواة مشكلاً حاضنة لأعمالهم، فكان من خرّيجي هذا المركز رموز الجيل الثاني للحركة التشكيلية في جدة، وكلهم تلاميذ او متأثرين بالرضوي: ضياء عزيز ضياء.. احمد فلمبان.. حسن مليح.. عبدالكريم ابوخضير.. وطه صبان.
انتزع الرضوي بقوة شخصيته الاعتراف الرسمي من وزارة المعارف ابان عهد وزيرها حسن ال الشيخ وحظي برعاية وكيل المعارف عبدالوهاب عبدالواسع ومدير التعليم في مكة عبدالله بوقس، ومدير الثغر عبدالرحمن التونسي.
احتضن المركز المعرض السعودي الايطالي المشترك في عام 1972. اغلقه الرضوي لسفره لمدريد لتحضير درجة البروفيسوراه في الفن.
1974: أول جمعية رسمية لفنون الموسيقى والمسرح في البلاد. 
لسنوات طويلة شكّلت جهود رئيس لجنة الموسيقى بجمعية الثقافة والفنون بجدة الموسيقي: سراج عمر ما يشبه المعهد الموسيقي الذي سدّ حاجات المدينة الى ذلك
تأسست الجميعة العربية السعودية للثقافة والفنون بمدينة جدة في سبتمبر 1974 كأول مؤسسة مجتمع مدني رسمية تعني بأنماط الفن والموسيقى والمسرح.
كان أول مجلس ادارة هو أكثره توهجاً وتنوعاً. فعيّن مديرا للجمعية إبراهيم خفاجي (شاعر أغنية)، وبعضوية حسين النجار (اذاعي) وسراج عمر (موسيقي) ومحمد رجب (مسرحي) وحامد عمر (موسيقي) وطارق ريري (مخرج) والشريف محمد العرضاوي (ممثل دراما) وحسين مليح (تشكيلي) وعبد الله الماجد (أديب) وصالح جلال (شاعر أغنية).
كان الجمعية تقيم معرضا تشكيلياً سنوياً منذ 1978.. فيما برز سراج عمر الذي أشرف على لجنة الموسيقى والغناء لسنوات طويلة وشكّلت جهوده ما يشبه المعهد الموسيقي. وفي مجال المسرح أنطلقت المسرحيات في جدة بمسرحية “أنت فين” من تأليف محمد رجب وإخراج عثمان أحمد حمد.
1974: مجلة اقرأ.. بدايات صعود الصحفي النجم. 
عبدالله منّاع في أقصى اليسار، على يساره بالترتيب: رضا لاري، تركي السديري، محمد سعيد طيّب، محمد احمد محمود – جيل كامل من الصحافة.
بدأ عبدالله مناع مراسلا لصحيفة الرائد من الاسكندرية ابّان ابتعاثه لدراسة طب الأسنان في عروس البحر الأبيض في الخمسينات الميلادية، وحينما عاد عمل فيها متعاونا، ثم انتقل الى المدينة.. لكنه سيجد انه قد اختير عشوائياً في تشكيل مؤسسة صحيفة البلاد بعيد نزع الملكيات الفردية للصحافة وتحويلها الى مؤسسات بقوة القانون.. ومنها سيشق طريقه نحو النجومية الصحافية، حتى تعيينه رئيساً لتحرير مجلة اقرأ التابعة لمؤسسة البلاد.
شكّل المنّاع جهاز اقرأ وأصدر عددها الأول في 9 ديسمبر 1974.. واستمر فيها حتى مايو 1987.. كوّن خلالها فريقه الذي كان خليطا من الوطنيين والمصريين والسودانيين واليمنيين.. نجح خلالها في تقديم أنماط من صحافة التحقيق والقصة الصحفية، كما فتح صفحات المجلة لتنحاز لتيار الحداثة الأدبي خلال صراعاتها الشهيرة في الثمانينات.
كتب المنّاع القصة القصيرة والرواية والتمثيلية والأغنية والسيرة الذاتية، إلى جانب مئات المقالات والمحاضرات.. وكان بزهوه الذاتي الشديد، وأناقته، وثقافته القومية، ومعارفه الفرانكفونية، ولكنته الجدّاوية الممزوجة بالنكهة الاسكندرانية، ولقب الدكتوراة الذي يحمله، وغليونه الذي لا يتنازل عنه صورة من صوّر نجومية الصحفي في زمن توهّجه.
1975: أدبي جدة.. مبادرة العملاقان محمد حسن عواد وعزيز ضياء. 
ثاني انتخابات لنادي جدة الأدبي بعيد وفاة الاستاذ العواّد عام 1980
تأسس في مايو عام 1975 بمبادرة من العملاقين محمد حسن عواد وعزيز ضياء رغبة منهما في لم شتات المثقفين بعد سنوات طِوال من التشتت. وفي اول انتخابات لمجلس ادارة النادي عقدت في منتزه كيلو 10 في طريق مكة، وبلغ عدد الذين حضروها أكثر من 100 أديب ومثقف وصحفي ولم يتغيب عنهم من الأدباء الكبار سوى عبدالقدوس الأنصاري، حصل العواد على أعلى أصوات (17 صوتا) مناصفة مع عزيز ضياء، فاختير الأول رئيساً للنادي، والثاني نائباً له.
بدأ النادي بفيلا مستأجرة في حي الشرفية.. ثم تنقل الى عدة مقار كان منها شقة في طريق المدينة النازل في عمارة عبدالحميد شويل. ونشط عبدالفتاح أبومدين ومحمد سعيد طيب وعبدالمقصود خوجة وعلي فدعق وروّاد ثلوثية الطيّب لانشاء مقر جديد يليق بمكانة جدة. اثمرت جهودهم تبرع الدولة بأرض النادي المقام عليها حالياً بحي الشاطئ.. وتبرع الأهالي والبنوك بتكاليف البناء نحو اربعة ملايين وستمائة وخمسين ألف ريال وأكمل العجز شهبندر تجار جدة الشيخ اسماعيل ابوداود، فيما تبرع المهندس محمد سعيد فارسي بتكاليف التصميم الهندسي، فجلب صديقه المعماري الايطالي العالمي خوليو لافونتي بديلاً عن المهندس المحلي كامل قمصاني. فيما قام المقاول حيدر أسعد، صاحب مؤسسة داركم بانجاز البناء.
وتنقلت محاضرات النادي من مسرح إدارة التعليم، إلى مدارس الثغر، إلى جامعة الملك عبدالعزيز، إلى نادي الاتحاد، إلى فندق ماريوت، وإلى مؤسسة المدينة المنورة للصحافة والطباعة والنشر، وإلى فندق العطاس.. قبل ان تحط في مسرح مقر النادي بحي الشاطئ.
1975: قناديل الذاكرة الشعبية. 
تتر برنامج قناديل الرمضاني من التلفزيون السعودي
رغم انه من الرعيل الثاني للأدب الحديث في السعودية، الا ان أحمد صالح قنديل، اشتهر بشعره الشعبي البلدي “الحلمنتيشي”، وفي رصده لذاكرة المدينة الشعبية ورموزها الظريفة. عُرض له مسلسل قناديل رمضان، من إنتاج تلفزيون جدة، منذ 1975 ولسنوات عديدة، وهو برنامج تمثيلي شعبي من تأليفه ومن بطولة: عبد الستار الصبيحي وحمدان شلبي وحمتّو ساعاتي ووجنات رهبيني ومحمد بخش وفؤاد بخش وخديجة أبو بكر وكلهم ممثلين محليين.
بيد ان مؤلفات قنديل هي من حفظ للمدينة أشد تفاصيل ذاكرتها في: ابوعرام والبشكة حيث حكايات شلضم وبسباسة وخواجة ينّي وعم سديق وبيبي زينب وحبمبا والخرنتا والدجيرة وسبع الليل.. او في جدة عروس البحروالجبل الذي صار سهلا وحكايات ودهاليز.
1977: تهامة.. هيّبة الكتاب العربي السعودي. 
الرجولة عماد الخلق الفاضل لحمزة شحاتة.. احد المنشورات النفيسة من سلسلة الكتاب العربي السعودي لشركة تهامة.
منذ أن تأسست شركة تهامة في جدة، وهي شركة مساهمة، استحالت الى كبرى شركات الدعاية والاعلان، اراد محمد سعيد طيّب،  مديرها العام، تمرير مشروعه الثقافي الوطني من خلالها… وقد كان!
طيّب، ابن رحمّانية مكة، والتلميذ المباشر لرموز الثقافة الحديثة في مكة؛ محمد عبدالصمد فدا، عبدالله عبدالجبار، محمد عمر توفيق، وحسن أشعري.. اصدر عن تهامة سلسلة الكتاب العربي السعودي ليصل القارئ المحلي بمصادر الثقافة الحديثة في الحجاز والمملكة، مانحاً للوجدان المحلي احد أهم الخطوات جوهرية في مجال النشر والتأليف.
نشرت سلسلة الكتاب العربي السعودي اعمال رائدة لحمزة شحاتة، وعزيز ضياء، وأمين مدني، وحسين سراج، وأحمد السباعي، وعبدالله بن خميس، وطاهر زمخشري، ومحمد سعيد عمودي، وأحمد عبدالغفور عطّار وغازي القصيبي.. الى آخر الاسماء التي حملت مشاعل التنوير في فترات التأسيس.
1977: ثلوثية الطيّب.. نادي الصحافة والنشر والدعاية والاعلان – وامتداد الحركة الوطنيّة!
منذ منزله الأول في الشرفيّة الى موقعه الحالي بشارع الصحافة، استثمر محمد سعيد طيّب، أو أبو الشيماء، كما يحلو لمحبيه ان ينادوه.. استثمر كاريزما شخصيته الاجتماعية، وموقعه القيادي في كبرى شركات الدعاية والاعلان التي كانت تتربط بكل الصحف اليومية، لتأسيس مجلس أسبوعي، عُرف بإسم الثلوثية، كان الأبرز والأكثر وهجاً في فضاء المدينة.. ولربما الأكثر انغراساً في وجدانها.
كان روّاد الثلوثية هم نجوم المجتمع والصحافة والدعاية والاعلان، وروّاد حركة الأدب والادارة في البلاد، كما كانت تزوره نخب سياسية واعلامية عربية معروفة مثل محمد أحمد الشامي وزير خارجية اليمن، وعبدالعزيز حجازي رئيس وزراء مصر. يجتمعون في أجواء عفوية وصفها عزيز ضياء ذات مرة: “ان أمسيات (الثلوثية) والمواضيع التي تطرح فيها، تعالج بكثير من العفوية، إلى جانب الفكاهة والطرفة والنكتة”.
وفي السنوات الأخيرة لعبت الثلوثية دوراً اضافياً يشكل الامتداد الموضوعي للحركة الوطنية.
1978: امبراطورية الاعلام العربي.. مقرّها جدة!
هشام ومحمد حافظ في مكتب ادارة الشركة السعودية للأبحاث والنشر بجدة
السيّد هشام حافظ يتصفح العدد الاول من عرب نيوز

في عام 1972 ومن مبنى خشبي متواضع في حارة العمارية حيث مقر صحيفة المدينة، انقدحت فكرة امبراطورية النشر العربي: الشركة السعودية للابحاث والنشر للأخويّن هشام ومحمد علي حافظ.. وانطلقت باكورة منتجاتهما عبر: عرب نيوز في 20 ابريل 1975. ثم اعقبتها صحيفة الشرق الأوسط في يوليو 1978.. التي أراد لها هشام حافظ ان تقتبس طرائق وأسلوب صحيفة “التريبيون” الدولية، وكان الأخويّن بها الغارسان لبذرة الصحافة المهاجرة بتقنية عالية غير مسبوقة في الصحافة العربية.
اشترك معهما في تأسيس عرب نيوز الصحفي المخضرم -العدني الأصل- فاروق لقمان، الذي عُيّن كأول مدير عام للجريدة التي بدأت في كراج سيارات أسفل عمارة بن لادن وضمت كل اقسام التحرير والاعلام والتوزيع والسكرتارية والترجمة.
واشترى هشام حافظ مقر الشرق الأوسط في شارع فليت – شارع الصحافة في لندن، مقابل ثلاثين ألف جنيه استرليني فقط، لعبت الصدفة دوراً كبيراً في ذلك عندما عرضت عليهما شركة بريطانية على وشك الافلاس بيع مقرها وارشيفها الصحفي مقابل ذلك المبلغ الزهيد.
حوّل الأخوين حافظ.. الشركة الى مجموعة اعلامية كبرى، تتبعها مكاتب تحرير ومطابع وقنوات انتاج – كلها مرتبطة بمقر الادارة العامة في جدة. ومنذ العدد الـ (20): أعلن الناشر هشام حافظ بدء تجارب بث صفحات جريدة الشرق الأوسط عبر عشرات آلاف الكيلومترات بواسطة القمر الصناعي المتمركز على المحيط الهندي من غرفة أخبار لندن إلى مكاتب جدة، لتصبح أول مطبوعة عربية تستخدم أجهزة نقل صفحاتها عبر الأقمار الصناعية.
1978: أول لجنة للآثار بجدة. 
في 11 سبتمبر 1978 صدرت الموافقة السامية على تشكيل اول لجنة للآثار في جدة اثر جهود رئيس البلدية محمد سعيد فارسي.  وتولى أمير مكة حينها الامير فواز رئاسة اللجنة بعضوية من محمد سعيد فارسي والدكتور عباس طاشكندي، والدكتور المعماري عبدالمجيد داغستاني وكيل رئيس بلدية جدة.  وكان باكورة اعمالها مباشرة افتتاح جزء من قصر خزام كمتحف أثري.
1978: جدة دوم.. صعود صالات العرض الجماهيري في جدة. 
Jeddah Dome كأطلال تذروها الرياح!
Jeddah Dome كأطلال تذروها الرياح!
اول صالة للعروض الفنيّة والتسويقية في جدة.. استثمرها موفق الحارثي تزامناً مع الانفتاح التجاري والاجتماعي الذي كانت تعيشه جدة مع انتصاب عود الطفرة.. تقع جدة دوم، أو قُبة جدة، في تقاطع شارع فلسطين مع شارع الستين (الشرفية)، وانفردت بتصميمها المعماري ذي الطابع الغرائبي الذي كان جديداً على المدينة. كانت جمعية الثقافة والفنون تقيم عروضها التشكيلية بها ويفتتحها مديرها البروفيسور رضوي.. قبل ان تخرج عن الخدمة.
عرفت جدة بعدها عدة صالات للعروض الفنيّة في فورة لم تستمر طويلا. فظهرت صالة تاج للفنون الجميلة (1979-توقفت) .. وصالة ردك (1979-توقفت).. ثم روشان للفنون الجميلة (1980-لاتزال) لمالكها طلال كامل كردي.
1979 سبنسر تارت.. أول فنان متجوّل. 
مائية لسبنسر تارت
جلبه المهندس محمد سعيد فارسي عام 1979، مهندساً معمارياً. لكن المستر سبنسر تارت سيوظّف موهبته في الألوان المائية ليوثق هوية المدينة البصرية في لوحات مائية شهيرة من توقيعه. كان السكان يرصدونه متجولاً في دروب جدة وأزقتها العتيقة، حتى خلّف مع رحيله تركة فنيّة عريضة، وثّق فيها بيئة البلد، والميناء القديم، وملامح المعمار الحجازي، وباتت لوحاته التي سوّقها بشكل تجاري واسع ترصّع جدران مؤسسات المدينة العامة والخاصة ومنازل العاشقين لتراث المدينة.

1980: جمعية أهلية للبر في جدة. 

تشكّلت لجنة صندوق البر في جدة أول مرة برئاسة وزير التجارة محمد عبدالله علي رضا وعضوية عبدالعزيز العبدالله السليمان، الشاعر محمد حسن فقي، عبدالمجيد شبكشي، عبدالرؤوف أبو زنادة، ومحمد أحمد جارالله. وقررت في أولى اجتماعاتها شراء عمارة أو اثنتين وتحويلهما إلى رباط خيري لإيواء المحتاجين إلى السكن وقد فوضت اللجنة كل من عبدالعزيز السليمان وعبدالرؤوف أبو زنادة ومحمد جار.
ثم توسعت اللجنة في ذات العام لتضم في عضويتها: أحمد الجفالي، عبدالقادر الفضل، محمد سعيد متبولي، عبدالرزاق الملا، عمر بادحدح، محمد حسين أصفهاني وعبداللطيف باناجة.

1982:  اثنيّنية عبدالمقصود خوجة.. امتداد مؤتمرات الحجاز الأهليّة. 

عزيز ضياء ومحمد حسين زيدان وحسين سراج وعيدالله مناع في اثنينية الخوجة. (المصدر: سلسلة الاثنينية)
عزيز ضياء ومحمد حسين زيدان وحسين سراج وعبدالله مناع في اثنينية الخوجة. (المصدر: سلسلة الاثنينية)
انطلقت اثنينية عبدالمقصود خوجة في نوفمبر 1982، لتتصل بتلك الجلسات الصباحية التي كان يلتقي فيها نخبة من كتاب وشعراء وأدباء الرعيل الأول في الحجاز في مكتب والده الصحفي محمد سعيد عبد المقصود رئيس تحرير صحيفة أم القرى المكيّة. بما يؤكد أن جدة امتصت ذلك العمق الحضاري، والتيار المعرفي، الذي تدفق عليها من المدينتيّن المعرفيتيّن مكة والمدينة: فكان يغشى اثنينية الخوجة: روّاد الأدب والشعر والصحافة والفن من أبناء مكة والمدينة: عبد القدوس الأنصاري، طاهر زمخشري، عبدالله بلخير، محمد حسين زيدان، حسين عرب، عزيز ضياء، حسين باشا سراج، أحمد عبيد، محمود عارف، أحمد العربي، عبد العزيز الرفاعي، وطارق عبد الحكيم.
امتازت اثنينية الخوجة بتكريمها للروّاد، ومن ثم بتكريمها للمتميزين في كافة المجالات.. وفي طباعة الأعمال الكاملة للرواد في الحجاز والمملكة. كما لعبت أدواراً حضارية في قيامها كمبادرة أهلية تجمع اقطاب الفكر والنخب المعرفية بالعالم الاسلامي في أرض الحجاز.. لتعوّض تلك الغيابات التي حصلت مع الغاء ندوات الحج الأهلية التي كان يقيمها زعماء الأهليين في مكة: عباس يوسف قطّان، ومحمد سرور الصبّان، وجلسة حوش محمد ماجد الكردي في مشعر منى، وجلسات الشيخ حسين باسلامة في داره بحارة الباب.
1982 عدنان أكبر هوت كاتور : 
أقصوصة خبر عرض عدنان أكبر في باريس من الأسوشيتد برس 1989
على الرغم من احتجاب عدنان اكبرفي السنوات الأخيرة وتسلّكه سلوكاً ينحو منحى "الالتزام" الديني، لكنه ظل يتعامل في مهنته كمحترف. هذا فستان ترتديه باريس هلتون من تصميم عدنان أكبر
على الرغم من احتجاب عدنان اكبرفي السنوات الأخيرة وتسلّكه سلوكاً ينحو منحى “الالتزام” الديني، لكنه ظل يتعامل في مهنته كمحترف. هذا فستان ترتديه باريس هلتون من تصميم عدنان أكبر
بدأ مصمم الأزياء عدنان سراج أكبر تصميم أزياء الأفراح من مسقط رأسه مكة معتمداً على عاملات تطريز افريقيات، قبل ان يرحل الى كراتشي لتعلم العلوم السياسية وتصميم الأزياء.. وفي عام 1968 حطّ متدرباً في دار مدام سيلفيا في بيروت أشهر مصممات أزياء زمانها. ذهب بعدها الى باريس وقضى اياما وليالي في مكتبة فوج، وحين عاد من فرنسا الى جدة في 1970، افتتح اولى متاجره في حي الرويس، كأول محلي يصمم فساتين هوت كوتور في طول البلاد. ثم بدأ يتعامل مع الديوان الملكي والنخب التجارية. ومع عام 1982 كانت عروضه قد رحلت الى ميلان.. كان.. امستردام.. القاهرة وجدة والرياض. وفي يوليو 1988 بدأت تصماميه في احداث صرعة في عالم الهوت كوتور، وسمّته دار كريستيان لاكروا المرموقة مُصمم العام، وتعاقد حصرياً مع دار Bianchini Férier، وهي دار أقمشة فاخرة، مقرها ليون وتمد دور شانيل ولاكروا وارماني بالأقمشة الفاخرة الحصرية.. كأول عربي يحوز على تلك الريادة.
توجّ نجاحاته بدعوته لعرض تصماميه في الحفل الفرنسي الشهير International Fashion Festival على ساحة برج الايفيل في عام 1989 امام 200 ألف مشاهد، في عرض اسطوري قدمت فيه 25 عارضة تشكيلته الذهبية تحت انعكاس الألعاب النارية الذهبية، مع 40 جمل يهيم في الخلفية كناية عن الطابع العربي. واطلقت الصحافة الفرنسية عليه من حينها لقب إف سان لوران الشرق.
1985: عبدالرؤوف خليل.. وصناعة المتاحف الأهليّة. 
عبدالرؤوف خليل.. في زي “ابن البلد”
ضم متحف عبدالرؤوف خليل عشية افتتاحه في حي الأندلس بجدة عام 1985 ما يقارب 12500 قطعة أثريّة نادرة توزعت على 67 قاعة جمعها خليل خلال 33 عاماً. جيّر عبدالرؤوف حسن محمد خليل، شغفه في اقتناء الآثار الى تأسيس مجموعة من المتاحف في مدينة جدة، كانت الى جانب متحفه الرئيسي: متحف الفنون المنزلية، متحف درة الثقافة الوطنية، وأخيراً متحف مدينة الطيبات الذي بناه كاملا على الطراز الحجازي القديم بالحجر البحري والنورة والرواشين وصنع فيه أزقة ودروب دلالة على شغفه بالشخصية الحجازية. ضم خليل الى متحف الطيّبات مكتبة تضم اكثر من 200 ألف كتاب ومرجع علمي، ومراكز تدريب للموهوبين، ووفر على هامشه مواقع استأجرتها محلات لبيع واقتناء التحف والمقتنيات على طريقة المزادات، تقوم بدورها في كسر روتين المدينة.
ولم يكن عبدالرؤوف خليل مؤسساً للمتاحف في مدينته فحسب.. بل كان الداعم والممول الرئيسي لكل أنماط الفن والأدب.. فكان عضواً شرفياً في كلا من بيت الفوتوغرافيين وبيت التشكيليين، وداعماً سخياً لبرامج ونشاطات النادي الأدبي.
كان أثقل يوم في حياته، وأحد أكثر ليالي المدينة حزناً، يوم احتراق متحفه الرئيسي بالكامل عام 2002.
1986: مشقاص سوّاح.. أول كارتون!
انتجه حسن دردير (مشقاص) كفوازير، وقام بأداء الأصوات فيه بالاشتراك مع صفاء ابوالسعود.. قام بتلحين مشقاص سوّاح سيّد مكاوي وحسن نشأت. استمر العمل فيه عامين كاملين.
1989: الدراما المحلية.. الى آفاق العربية. 
الفنان محمد حمزة، مع سميّة الألفي في ليلة هروب.
قبل ظهور الفضائيات، والانتشار الذي رافقها، استطاع الممثل والسيناريست محمد حمزة، وبجهود ذاتية، من اختراق حُجُب التلفزيونات العربية بمسلسله الذي انتجه: ليلة هروب، صانعاً للدراما المحليّة اولى لحظات انتشارها وبدايات مجدها. كان المسلسل الذي عُرض في رمضان عام 1989 بعد صلاة التراويح، انقلاباً جديدا للدراما المحليّة، التي وظّف حمزة عناصرها وأجوائها ومواهبها، وطعّمها بعناصر وأبعاد عربية، في خلطة وفرت له النجاحات. شارك مع حمزة في ليلة هروب: ابنيه لؤي ووائل حمزة، وفؤاد بخش وحمدان شلبي وسعيد بصيري وعبدالحميد رجب والجسيس محمد أمان، وفنانين عرب: ابراهيم الصلال، زوزو نبيل، سمية الالفي، سناء جميل، فايزة كمال.. وهو من اخراج عادل جلال، وموسيقى تصويرية حالمة من الموسيقار الكبير: عمر خيرت.
حمزة، ابن زقاق الطيار بالمدينة المنورة، الذي انتقل الى جدة كموظف مدني في القوات الجوية، استثمر نجاحاته تلك في مسلسل آخر لا يقل شهرة: اصابع الزمن. 
1990: أول بيت للفوتوغرافيين.
بيت الفوتوغرافيين في البلد.. قبل اغلاقه. (المصدر: تصوير سلطان منديلي)
بدأ بيت الفوتوغرافيين بجهود فردية من المصوّر عيسى عنقاوي، الذي أسس نواته في غضون عام 1985. لكن العنقاوي انتزع رخصته من جمعية الثقافة والفنون بعيد عامين بمساعدة من مديرها وقتها عبدالحليم الرضوي. وأنتخب المصوّر الرائد حامد شلبي أول رئيس للبيت.. وفي عام 1990 منحهم محمد سعيد فارسي، أمين جدة السابق، داراً تاريخية في حارة المظلوم لتكون مقراً أنيقاً في وسط البلد التاريخي.. وانضم الفارسي الى تشكيل مجلس الشرف الذي ضم الى جانبه: عبدالمقصود خوجة وعبدالرؤف خليل وخالد عبدالغني وعبدالله مناع.
كانت اسرة البيت الناشطة تتكون من الفوتوغرافيين: انس ابوالسمح وحامد شلبي وابراهيم سراج ومن الشباب سعود محجوب ومحمد بالبيد وعبيد العتيبي وعوض الغامدي، ناهيك عن عيسى عنقاوي وزوجته وداد صبّان.
انضم البيت في 1995 الى الاتحاد الدولي للفن التصويري، وهو ذات العام الذي يشكل البداية الحقيقية للنشاطات الكبرى التي شهدت معرض الفوتوغرافيين الأكبر والذي جمع 25 فنان وفنانة. لكن النادي أغلق ابوابه فيما بعد.
1991.. علامات.. دورية للنقد وفلسفة اللغة في جدة!
 الفلسفة المعاصرة كلها فلسفة لغوية. من هذا المعنى انطلقت دورية علامات في النقد اللغوي في مايو 1991، عن نادي أدبي جدة في عهد رئيسه الذهبي عبدالفتاح أبومدين كأقدم مجلة في العالم العربي تعني بالفلسفة اللغوية. صدر منها منذ ذلك التاريخ ما يفوق السبعين مجلداً. كانت جدة منذ ما بعد حرب الخليج تُنتج معرفة حديثة على المستوى الاقليمي، وكان أبومدين هو رمزها الشاهد عليها وصانعها.. يعاونه الى ذلك نجوم النقد المنتمين الى مؤسسة أدبي جدة: سعيد السريحي وعبدالله الغذامي وعابد خزندار وبكر باقادر ومعجب الزهراني.. يشاركهم من العالم العربي: محمد الهادي الطرابلسي، عبدالملك مرتاض، مصطفى ناصف، اعتدال عثمان، حمادي صمود، شكري عياد، عبدالسلام المسدي، سعيد يقطين، عبدالعالي بوطيب، وصلاح فضل.
تحضر في علامات نظريات باول ريكور وجاك دريدا ورولان بارت جنبا الى جنب مع الجرجاني وابن جني والقاضي عبدالجبار، وتفكيك نصوص ادغار آلان بو وبودلير وامبرطو ايكو الى جانب عباس محمود العقاد وحمزة شحاتة وبدر شاكر السيّاب!  حد ان الباحثين المعنيين بالنقد والدراسات على المستوى العربي قاطبة كانوا كثيرو الاحالة الى ما ينشر في علامات.
لقد حوّل ابو مدين أدبي جدة الى أحد معاقل الحداثة بتشجيعه الحركة النقدية والفلسفة اللغوية… ان عبر دورية علامات او محاضرات النادي والملتقيات التي أسسها كملتقى النص، الذي استحال بدوره تظاهرة عربية رئيسية.
1991.. سينما النادي الايطالي: 
خواجة أوكو مع زوجته في صورة حديثة. (المصدر: عرب نيوز)
الخواجة الايطالي جاتانو مولفاري (Gaetano  Mulfari)، الشهير بخواجة أوكو، من مواليد ميسينا أصلاً، ومن أهل جدة التي انتقل لها منذ عام 1958، ودون انقطاع حتى الآن. يعيش في جدة مع عائلته الممتدة منذ ان بدأ عمله كرئيس للصيانة في السفارة الامريكية بجدة. أسس “أوكو” النادي الايطالي الإجتماعي والثقافي في حي البغدادية، مطلع التسعينات، كمتنفس بديل لسكان المدينة من أجانب ومواطنين ببرامجه الثقافية وعروضه السينمائية الدورية.. ملحقاً بمطعمه الايطالي الأنيق: لالو !
1992: انطلاق بينالي جدة!
انطلقت مسابقة مُلون السعودية في مايو 1992، واستمرت ست دورات حتى توقفت مع انتهاء دورة يونيو 2003. كانت خلالها تظاهرة التشكيليين الأبرز، ومهرجان حيوي ضخم يقوم -كل سنتين- بمثابة بينالي المدينة، يرافقه حفل كبير، بافتتاح أمير المنطقة الأمير ماجد بن عبدالعزيز.. ويحرص على حضوره كبار وشداة الفن التشكيلي بالمملكة.
كان يحكّم المسابقة فريق تحكيم يتكوّن من خمسة مختصين، اثنين من السعودية وثلاثة من الخارج يأتون ايضا لعرض اعمالهم على هامش البينالي. وبدءا من الدورة الثانية تحولت المسابقة أيضاً لمنصة لتكريم روّاد الفن التشكيلي، حيث تم تكريم عبدالحليم رضوي، ومحمد السليم، وصفية بن زقر، ومنيرة موصلي (1994)، ثم رواد التربية الفنية: احمد عائش دعشاش، وجميل عبدالعزيز ميرزا (1996).. وفي 1998 اطلق البينالي مسابقة رسوم الاطفال لتتزامن مع المسابقة الرئيسية.
1993: للتشكيليين في جدة.. بيت ومأوى!
بيت التشكيليين في مركز الجمجوم.
كان الجيل الثاني للفن التشكيلي قد وصل الى نضجه الفني وانتزع اعترافاً اجتماعيا ومؤسسياً كافياً ليستقل في بيت خاص به يكون مقر ومعرض دائم لأعماله ومناشطه الفنية والاجتماعية ومأوى لتقلبات أمزجة روّاده!
تأسس بيت الفنانين التشكيليين السعوديين بجدة في يونيو عام 1993، عبر مجهود مؤسسي كان نجمه الأبرز: طه صبّان، أحد أبرز تلاميذ عبدالحليم رضوي. ووفر محمد سعيد فارسي، أمين جدة السابق، منزلاً تقليدياً في وسط جدة القديمة.. قبل ان ينتقل البيت شمالاً الى مركز الجمجوم التجاري في كورنيش الحمراء.
لكن أمسيات البيت في جدة القديمة كانت هي الأصخب والأكثر ايناعاً والتصاقاً بتجليّات الفن والابداع. كان يحضرها نخبة المدينة: محمد سعيد فارسي وسعيد السريحي وعبدالله مناع وعبدالحليم رضوي والروائي عبدالعزيز مشري.. ناهيك عن مجموعة ضخمة من الفنانين التشكيليين الذين كانوا قوام البيت وأوده: طه صبّان ونايل ملا وعبدالله حماس وهشام بنجابي وهشام قنديل.. مع عضوية شرفية لعبدالمقصود خوجة، بكر بن لادن، عبدالرؤوف خليل، والسيّد رضا عبيد.
هذا المنشور نشر في مٌباشرة للتدوين وكلماته الدلالية . حفظ الرابط الثابت