الاثنين، 16 مايو 2011

رحيل أختنا هديل وهي في ريعان شبابها (24)




أحاول في موقعي قدر المستطاع أن أختصر المواضيع والمقالات التي أقتبسها من هنا وهناك، ولكن أستثني هذا التقرير من أي اقتباس.. لأجل هديل..
هديل محمد عبد الرحمن الحضيف (1983-2008): قاصة ومدونة سعودية حاصلة على درجة البكالوريوس (رياض أطفال) من كلية التربية، من جامعة الملك سعود. كان لها أثرٌ ملموس في عالم التدوين والقصة في السعودية في حين لم يتجاوز عمرها الخامسة والعشرين عاماً، واعتبرها كثير من المدونين في السعودية إحدى أبرز رائداته، كما كان لها الدور البارز في حملة المطالبة بالإفراج عن المدون فؤاد الفرحان ومن جهودها في ذلك إنشاء مجموعة freefouad على الفيس بوك، إلا أنها دخلت في غيبوبة مفاجأة أدت لوفاتها قبيل الإفراج عن الفرحان بعدة أيام.
قال فؤاد الفرحان على تويتر متذكرا ما حصل معه:
في بدايات التدوين السعودي، كنا قليلين جدا. أنشأنا مجموعة بريدية سرية اسمها: مدونون مشاغبون. ماتت تلك المجموعة بموت هديل، كنا نتحاور حول التدوين والسياسة والمعتقلين ووضع البلد. كنا نراجع ونصحح تدوينات بعضنا البعض الحساسة قبل النشر، كانت كل مشاركة لأختنا هديل في مدونون مشاغبون مشاركة ذات معنى وبعد ومنطق وعقل. كانت هديل مثل المنارة لنا نقتدي بها ونتعلم منها، قبل سجني بأيام، تم اعتقال الأخ علي القرني فاستيقنت أن ساعتي قربت. لجأت لهديل ومجموعتنا السرية لاستشارتهم في الأمر. من لا يخاف السجن؟
لم أقل لهم أنني مهدد ولكني ابتكرت حيلة كنت أتوقع أنها ستنجح! قلت للرفاق: ما رأيكم لو قمنا بحملة تدوينية بعنوان مدونون ضد الإرهاب؟، قلت لهم: أعرف أصدقاء تم اعتقالهم ولا علاقة لهم بالإرهاب، لو عملنا حملة تحت هذا العنوان، ربما الدولة لن تعتقل أحدنا لأننا واضحين، اختلفنا في مجموعتنا السرية الصغيرة مدونون مشاغبون، الأغلبية رأت أنه ليس مطلوب منا توضيح موقفنا ولا يجب أن نخضع للضغط فنحن أبرياء، كان رأي هديل: من حق أي منا تدوين ما يريد حول هذا الشأن ولكن توضيح موقف المدون من الإرهاب لن يمنع الدولة من اعتقاله إن أرادت ذلك، قلت لهم في نهاية النقاش الطويل: سأكتفي بما دونت سابقاً عن الإرهاب في مدونتي وأعتقد أن فيه كفاية ليمنع الاعتقال ربما كنت ساذجاً، كنت أشعر أنهم قادمون، حذفت كل ايميلات ومراسلات مجموعتنا مدونون مشاغبون من بريدي وبقيت أعد الساعات داعياً الله أن لا يحصل شيء، تذكرت أن الناس يُسجنون في السجون سنوات وعقود وبالذات إذا أشيع أن لهم علاقة بالإرهاب. لم أكن أريد أن أُنسى في السجن مثل الآخرين، يوسف عليه السلام قاله لصاحبه قبل أن يغادر السجن: اذكرني عند ربك ! أي أعلم المسؤول والناس بقضيتي حتى لا أُنس في السجن. يوسف كان نبي، كنت مستيقن أن هديل وباقي الإخوة والأخوات في مدونون مشاغبون وغيرهم ممن لا يرضى الظلم لن ينسون قضيتي ولكن شعرت أنه يجب أن أفعل شيء آخر، قررت أن أترك باسوورد مدونتي لدى شخص ما لكي يحدثها وينشر فيها مواد عن قضيتي لكي لا أُنسى في السجن. كنت سأراسل هديل لتقوم بذلك، كنت أعلم أن الجماعة سيعرفون أن هديل هي من يدير المدونة، لذلك تركت الباسوورد لدى صديق عربي في هولندا! مكان لا يمكن لهم الوصول إليه.
سبب سجني الرئيسي كان أنني دونت عن إصلاحيي جدة العشرة في مدونتي والشهادة لهم بأنهم إصلاحيين أصحاب مشروع وليسوا إرهابيين كما نشر، بعد سجني، تداول الإخوة والأخوات وعلى رأسهم المرحومة هديل في مجموعة مدونون مشاغبون موضوعي ورتبوا لعمل حملة للمطالبة بالإفراج عني، هديل رحمها الله كانت على رأس القائمين على هذه الحملة وباقي الأسماء يعرفها الله ولا ينسى لهم الأجر وأسأله أن لا يريهم مكروه، في السجن، اعترفت بكل تدويناتي وقلت لهم أنها منشورة مسبقاً بإسمي وعلى أعلى المدونة صورتي. وأنا قلت شهادة في حق أناس أراهم أبرياء، أما عن مشروعهم الإصلاحي، فلست جزء منه لأنني لم أستشار فيه ولا أعرف تفاصيله ولم أطلع عليه. أعرف فقط أنهم ليسوا ارهابيين وهذا حدي، تفجرت القضية اعلامياً واكتشفوا أن هناك من يحدث مدونتي وأنا في سجني، حاولوا معرفة من لديه الباسوورد ومن من بين الأصدقاء يدير المدونة، حققوا معي إن كانت هديل من يدير المدونة ولديها الباسوورد أم خالد الناصر أم زوجتي أم رغد، قالوا بأنهم سيستجوبون الأصدقاء حتى يعرفون الحقيقة. قلت لهم بأنني لست مجنون لكي أترك الباسوورد عند أحد الإخوة والأخوات لكي تعتقلونهم، بعد حوالي شهرين وبعد أن هددني المحققين مرات كثيره بأنهم مؤمنين أن زوجتي عائشة هي من تدير المدونة وبأنهم سوف يعتقلونها اضطررت للتحدث، في تلك الليلة، أخذوني لمدير التحقيقات آخر الليل. قال: علي الطلاق والحرام وأقسم بالله ثلاث إن لم تعترف لنحضر زوجتك هنا على هذا الكرسي، قال: أمامك 24 ساعة لتراجع نفسك ثم تعود لتعترف إن لم تريد أن نحضر زوجتك ونحقق معها ونرميها في زنزانة في السجن مثل زوجة علي الفقعسي، كنت أعتقد أن التهديد بسجن الزوجة يمارس في تونس وسوريا وكوريا الشمالية وإيران، ولم أكن أعتقد أن التهديد بالعرض يحصل بيننا، قررت أن أعترف لهم بكل القصة تحت ضغط التهديد بسجن زوجتي. كان شعور مذل وهم أساتذة في الإذلال. أخذوا ما يريدون وسألوني لماذا فعلت ذلك؟، قلت لهم: لم أرفع سلاح عندما أتيتم لاعتقالي ولم أهرب من البلد ولكن من حق زوجتي وأمي وعائلتي والناس أن يعلمون لماذا سجنت وما هي جريمتي، طوال 137 يوم كنت في زنزانة انفرادية لم أرى الشمس مرة ولا التلفاز أو صحيفة أو كتاب أو راديو. مخدة ومفرش وبطانية وكتاب الله ونعم به، أخذوني لقاضي لكي أصادق على اعترافي بكتابة أربعة تدوينات كنت أصلاً معترف بها منذ نشرها بإسمي. بعد 137 يوم أفرجوا عني في آخر الليل، وصلت البيت وقالت لي زوجتي عائشة أن هديل دخلت في غيبوبة وأنها في المستشفى منذ أيام وأن حالتها صعبة جداً، كتبت لبعض الأصدقاء.. ليتني لم أخرج .. ليتني بقيت في زنزانتي لا أعلم ما حصل لهديل.. أيام بعدها وغادرت هديل هذه الحياة، كنت دائماً أفكر أن أراسل هديل لكي أسألها سؤال واحد: أريد لصغيرتي رغد أن تكبر لتصبح مثلك، ما الذي ساعدك في حياتك لتصبحي أنت؟
حاولت الكتابة كثيراً عن هديل ولكن والله عجزت. شاركت مع آخرين في إطلاق جائزة هديل للإعلام الجديد وكانت مساهمتي تافهة مقارنة بالآخرين، بعد وفاة هديل بأيام، زرت والدها لنعزيه. حاولت استرجال كلمة للتعبير عن حزني ووالله لا أذكر يوم في حياتي تلعثمت فيه مثل ذلك اليوم.” http://www.snyar.net/?p=11668

********************************


نعم, رحلت هديل. انتظرنا أخباراً مفرحة تبشرنا باستيقاظها من الغيبوبة ولكن لا مغير لأمر الله عز وجل ونحن راضون بقضاء الله وحكمته ولا نملك الا الامتثال لأمره والرضا بقضائه. في يوم الجمعة انتقلت هديل الى جوار ربها وقبل ذالك باسبوعين في يوم الجمعة أيضا توفي ابن عمتي. كلنا نحزن عند موت الأقارب ورفقاء الدرب, نحزن ايضا لفراق الأصحاب والمعارف وفي كل موقف كهذا الحزن الذي أشعر به ينقسم الى ثلاث أحزان – الحزن الأول (حزن ممزوج بالصدمة) هو عند سماع الخبر عندما أعي أنني لن أرى أو أسمع الشخص المرحوم مرة أخرى في هذه الدنيا, الشيئ الذي لا يستوعبه العقل في اللحظات الأولى. الحزن الثاني (حزن مخلوط بالخوف) هو عند انزال الميت الى قبره والبدء في تهييل التراب عليه وعندها أفهم أن فرصته في هذه الدنيا وصلت الى نهايتها وهو الان سيواجه أهوال القبر وسيبدأ حسابه. الحزن الثالث (حزن ممزوج بالحسرة) هو عندما أنظر الى حالي بسبب التقصير في حق الله عز وجل, كيف قبض الله روح ذالك الشخص ولم يقبض روحي وأعطاني فرصة أخرى فكلنا مقصرون وكلنا غير راضون عن حالنا ولا يوجد أحد على وجه البسيطة يدخل الجنة بعمله حتى رسول الله صلوات الله عليه إلا أن يتغمده الله برحمته.
( قل ارأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم )



في اليوم الذي توفيت به هديل رحمها الله, خرجت في ساعات المساء الى الدكان لأشتري بعض الأغراض للمنزل. كنت حزيناً في تلك الليلة وبدا الحزن على وجهي حتى استوقفني أحد الأشخاص وسألني ما بك حزين ؟ بماذا أجيبه ؟ لو قلت له (مدونة) فهو لن يعرف ما هي المدونة فكيف أشرح له ماذا حصل ؟ أجبته أنني متعب قليلاً وان شاء الله سيزول هذا التعب. هذا الموقف أثبت لي أننا في عالم التدوين أسرة واحدة, نحزن معاً ونفرح معاً.

مع رحيل أختنا هديل وهي في ريعان شبابها (24) علينا أن نعرف أن الموت يأتينا بغتة فنجد أن ذالك الشاب بكامل صحته وقوته يموت فجأة وهو في العشرينات من عمره بينما ذالك الشخص الهرم المريض يعيش 35 سنة أخرى. تخيّل نفسك وأنت على مقاعد الدراسة تقوم بحل أسئلة اختبار مهم فيأتي المراقب ويسحب منك ورقة الاختبار بعد 50 دقيقة مع ان الوقت المتاح لك 3 ساعات. كيف سيكون موفقك ؟ احتمال كبير أنّ النتيجة سوف تكون سلبية الا اذا كنت مستعدا لهذا الاختبار على أكمل وجه. لذالك علينا أن نستعد دائما للقاء الله عز وجل فالدنيا مليئة بالمفاجآت.

لم نسمع عن هديل الا خيراً وخاتمتها طيبة باذن الله عز وجل. والدها صبر على المر وسوف يصبر على المر مع هذا الابتلاء الجديد وان الله عز وجل لا يبتلي عبداً من عباده عبثا فمع الابتلاء والصبر سيصل العبد الى درجات أعلى في الجنة وهذه الدرجات لا يمكن الوصول اليها مع الصلاة والصدقة والصيام. هنالك حكمة في الابتلاء وان شاء الله عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء.

ماذا نستطيع أن نقدم لهديل بعد موتها ؟ اقتراحي هو أن نتصدق عنها من أجل بناء مسجد وهو من أفضل ما تبذل فيه الصدقات ولهذا الغرض نحتاج الى مبادرة أولية من الشخص الملائم في المكان الملائم لينطلق هذا المشروع الذي سيشارك به باذن الله المئات بل الآلاف من السباقين الى عمل الخير. الميت بحاجة الى صدقة جارية ومن واجبنا ان ندعي للأخت هديل وأن نستغفر لها وأن نتصدقّ عنها.
رحمك الله يا هديل. http://www.rasheed-b.com/2008/05/18/hadeel-demise-we-grieve-for-three-reasons/


 على قناة الجزيرة 










عنوان مدونتها : http://www.hdeel.org/blog/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق