الثلاثاء، 12 أبريل 2011

هل كان لدراستك في الخارج أثر على فكرك وتصوراتك؟


خواطر وشجون
بقلم د. حاكم المطيري
10/4/2011م
من سبقك إلى ما تقول من شيوخك؟ وبمن تأثرت؟ وهل كان لدراستك في الخارج أثر على فكرك وتصوراتك؟ ومنذ متى بدأ تبلور هذه النظرة السياسية لديك..الخ؟
 أسئلة طالما كررها على مسامعي بعض القراء من المهتمين بما أكتبه، خاصة ما كتبته في أزمة الأمة السياسية، والحلول التي اقترحتها، وكان بعض الكتاب قد أثار شبهة بأن ما كتبه د. حاكم كان بعد تحضيره للدكتوراه في بريطانيا!
 وقد ضرب كثير منهم في أودية الظنون، وهاموا في شعاب الأوهام، ولو راجعوا بعض ما كتبته منذ عشرين سنة خلت، ومنذ أن بدأت الكتابة في الصحافة سنة 1991م، لوجدوا ضالتهم، ولعرفوا عمق الفكرة التي سخرت قلمي من أجلها، دفاعا عن الإسلام، وعن السنة، وعن الخلافة، وعن النظام السياسي الإسلامي، وعن الحرية والشورى والمساواة، وعن مشروعية الثورة على الأنظمة الجائرة، وحق الشعوب في الحرية، وما كتبته عن الاستعمار والاستبداد، وعن الجهاد، وعن أزمة الحركات والجماعات الإسلامية، وعن الوطنية والقطرية التي لم أؤمن بها يوما ما..الخ
فلم يكن ما كتبته مؤخرا في (الحرية أو الطوفان) المنشور سنة 2004م، وفي (تحرير الإنسان) سنة 2008م، وفي (أهل السنة والجماعة الإشكالية العقائدية والأزمة السياسية)، وفي (نحو وعي سياسي راشد) سنة 2010م، وغيرها من الدراسات والمقالات، وليد لحظة انفعالية، كما يتصوره الواهمون، أو ردة فعل كما يشيعه الخراصون، بل كان كل ذلك نتيجة إيمان عميق بالإسلام وأحكامه، وبالأمة وقدرتها على التغيير، وعن علم ومعرفة بالشريعة وعلومها التي درستها مدة ثلاثين سنة، والواقع السياسي الذي خبرته واجتهدت في الوقوف على بواطنه، فقد انحزت انحيازا كاملا للإسلام، منذ أن عرفت حقيقته، فكان ولائي له وحده منذ صغري، يوم أن كانت الأهواء الوطنية، والولاءات للحكومات القطرية تعبث بكثير من الجماعات والدعاة والعلماء، وكانت الفترة آنذاك قبل عشرين سنة تختلف عن الفترة اليوم، فقلما تجد من تحرر من سطوة التبعية الوطنية، أو الولاءات الحزبية، أو تحرر من شهوة المشاركة في السلطة ولو كانت فاسدة، وشهوة جمع الثروة ولو كانت محرمة، التي افتتن بها آنذاك ومازال كثير من الإسلاميين الصالحين فضلا عن غيرهم!
وقد حاول كثيرون - وخابت بهم الظنون - أن أشاركهم فيما هم فيه راتعون، أو أن أداهنهم فيما يداهنون، وكنت آنذاك أحوج ما أكون لمداهنة الملأ، فأبيت على نفسي أن أخون الله ورسوله والمؤمنين، أو أن أخون أمانة العلم والقلم، وما زال الواهمون إلى اليوم يعرضون علي جاههم وأموالهم وسلطانهم من أجل أن أداهنهم وأن أعترف بشرعيتهم، أو أن أخالطهم وأزاورهم، فما زادني ذلك إلا رفضا لهم، وزهدا بما عندهم، فقد عقدت مع الله عقدا هو أحب إلي من الدنيا وما فيها، وأسأل الله الثبات عليه حتى ألقاه، فأنا أسير إليه منذ ست وأربعين سنة لا أزداد مع مرور السنين إلا إيمانا وثقة به، وشوقا إليه، وتوكلا عليه!
وقد أبدى كثير منهم إعجابهم بما أكتبه، ودعوني لزيارتهم، فلم ألتفت إليهم، ولم أبال بهم، واعتذرت منهم، إلا مرة واحدة وافقت على الدعوة وكانت في سبيل دعم خيار المقاومة السلمية ضد الاحتلال في المنطقة العربية، فخابت آمالي، وعرفت أن الأنظمة العربية كلها صناعة غربية على اختلاف مستويات تلك الصناعة، فبعضها أوجدها الاستعمار، وبعضها أخضعها لمشروعه، وبعضها حيدها لتظل عاجزة عن التأثير سلبا أو إيجابا!
 ولعل الله ييسر لي كتابة بعض تلك الأحداث التي عايشتها منذ كنت أمينا عاما للحركة السلفية من 2000م إلى 2005م، ثم أمينا عاما لحزب الأمة من 2005 إلى 2007م، ثم منسقا عاما لمؤتمر الأمة منذ سنة 2009م..       
 ومما فرطت فيه أنني لم أحتفظ بكل ما كتبته، ولا بكل ما ألقيته من محاضرات مسجلة وغير مسجلة، مع أن كثيرا منه منشور في الصحافة، ويحتاج إلى جمع وتصنيف، وقد وقفت على ندوة شاركت فيها بتاريخ 7/3/1997م - قبل سفري للدراسة في بريطانيا، وقبل حصولي على الدكتوراه، وقبل مشاركتي في تأسيس الحركة السلفية - تكشف عن جانب من جوانب اهتمامي في هذه القضايا التي ما زلت أوليها قدرا من العناية في مقالاتي وكتبي، بل وفي عملي السياسي والدعوي إلى اليوم، مع العلم أن هذه الندوة لم تنشرها الصحافة كاملة آنذاك، بل نشرتها موجزة مختصرة بما يسمح به مقص الرقيب، ولم أحتفظ بالتسجيل، إلا أن المنشور فيها وحدها كاف في الإجابة عن أسئلة كثير من القراء الذين يهمهم معرفة تاريخ الفكر السياسي وتطوره لدى الدكتور حاكم، وهذه هي الندوة كما نشرتها آنذاك صحيفة الوطن الحكومية تتحدث عن شيء من ذلك :   
ملتقى المشكاة الثالث
السبت 28 شوال سنة 1417هـ
الموافق 7/3/1997
بعنوان (وحدة العمل الإسلامي.. الواقع والمعوقات)
المشكاة عدد 8 - صحيفة الوطن 17/3/1997
..(وكان المحاضر حاكم المطيري آخر المعقبين فقال : هناك ولا شك عوائق كثيرة غير أن أبلغها أثرا وأشدها خطرا - في نظري - المشكلة السياسية التي تعيشها الحركة الإسلامية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها الدعوي، ومما يدل على خطورة هذه المشكلة أننا نشاهد انقسام الجماعة الواحدة وتشرذمها لا لخلافات فكرية عقائدية، وإنما لأهواء وآراء سياسية، وإن حاول بعضهم تبرير هذه الانقسامات والخلافات بأنها لأسباب عقائدية، وتتمثل هذه الأزمة السياسية في صور عديدة هي في بعض فصائل الحركة أوضح من بعضها الأخر ومن هذه الصور :
1- غياب الأهداف الرئيسية : فقد كان سبب قيام الحركات الإسلامية سببا سياسيا وهو سقوط الخلافة الإسلامية التي ترمز إلى وحدة الأمة السياسية، ثم ما ترتب على ذلك من دخول الاستعمار الغربي وتقسيمه العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة مستعمرة، وطمسه الهوية الإسلامية، وذلك بمحاربته للشريعة الإسلامية واللغة العربية.
فقامت الحركات الإسلامية ونصب عينيها تحقيق الأهداف الرئيسية الثلاثة وهي:
(أ) عودة الخلافة الإسلامية التي هي من أوجب الواجبات الشرعية والتي تمثل الوحدة السياسية للأمة.
(ب) تحكيم الشريعة الإسلامية في واقع حياة المجتمع الإسلامي.
(جـ) إحياء روح الجهاد في سبيل الله لدفع الاستعمار وحماية الأمة.
وقد واجه الاستعمار هذه الأهداف بوسائل كثيرة، وبواسطة بعض رجال الفكر والقلم حتى أستطاع التشكيك بأهمية بل وشرعية الخلافة، وأن الدولة القومية أو الوطنية هي الأقدر على التطور والنهوض بالعالم الإسلامي، وبلغ من أثر هذا التشكيك أن صارت بعض فصائل الحركة الإسلامية تستهجن فكرة عودة الخلافة وتستعبدها في الوقت الذي ينادي فيه رجال الفكر في العالم الغربي إلى وحدة أوروبا التي لا تملك من مقومات الوحدة ما يملكه العالم الإسلامي!
وكذلك واجه أعداء الإسلام في الخارج والداخل الهدف الرئيسي الثاني للحركة الإسلامية وهو عودة الشريعة وتحكيمها في حياة المسلمين، واستطاعوا بما يملكون من وسائل إعلامية ضخمة التشكيك في صلاحية الشريعة الإسلامية وأهميتها حتى صار المسلمون لا يشعرون بأهمية هذا الهدف كما كانوا من قبل، بل وظهر من الإسلاميين من يهون من شجن هذه القضية بل ويطعن فيمن يوليها مزيد اهتمام بدعوى أن هناك ما هو أهم منها، وهكذا صار الهدف الرئيسي الثاني هدفا ثانويا في الخطاب السياسي للحركة الإسلامية، وكذلك لقي الهدف الثالث المصير ذاته بعد التشكيك في مفاهيم الجهاد وشيوع الروح الانهزامية والاستسلامية حتى عند بعض الإسلاميين، واستطاعت وسائل الإعلام الغربي وهي التي توجه الرأي العالمي أن تشوه صورة الجهاد وأن تربط بينه وبين الإرهاب، وصار جهاد الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه نوعا من الإرهاب!!
وهكذا أصبحت الأهداف الرئيسية التي قامت الحركة الإسلامية من أجل تحقيقها أهدافا ثانويا إن لم تكن غائبة عند بعض الجماعات!
2- كذلك من صور الأزمة السياسية الاختلاف الدائر بين الجماعات في الحكم على الأنظمة القائمة، وكذا الاختلاف في كيفية التعامل معها، وقد كان لهذا الاختلاف أثر كبير في زيادة الفجوة بين الحركات بل وتشرذم الحركة الواحدة لمجرد موقف سياسي من هذا النظام أو ذاك.
3- التأثر بالنزعة الوطنية فصارت بعض الجماعات تتأثر سلبا بالاختلافات الدائرة بين الدول الإسلامية، وأصبحنا نرى في أحيان كثيرة كيف يقف بعض قادة العمل الإسلامي مع دولهم حمية وعصبية جاهلية؟!
4- الدخول في الصراع الدائر بين بعض الدول الإسلامية، أو الصراع بين بعض الأنظمة وشعوبها، وشيوع الأهواء السياسية في الوقوف مع أو ضد هذا النظام أو ذاك النظام!
 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الظاهرة :
(الأصل الثابت بكتاب الله وسنة رسوله وهو الفرق بين قتال من خرج عن الشريعة والسنة فهذا الذي أمر به النبي  صلى الله عليه وسلم، وأما القتال لمن لم يخرج إلا عن طاعة أمام معين فليس في النصوص أمر بذلك.. فأرتكب الأولون - وهم الفقهاء الذين يخلطون بين البغاة والخوارج - ثلاثة محاذير :
الأول : قتال من خرج عن طاعة ملك معين وإن كان قريبا منه أو مثله.
الثاني : التسوية بين قتال هؤلاء وبين المرتدين.
الثالث : التسوية بين قتال هؤلاء وقتال الخوارج.
ولهذا تجد تلك الطائفة يدخلون في كثير من أهواء الملوك وولاة الأمور ويأمرون بالقتال معهم لأعدائهم بناء على أنهم أهل العدل وأولئك البغاة وهم في ذلك بمنزلة المتعصبين لبعض أئمة العلم على نظرائهم مدعين أن الحق معهم أو أنهم أرجح بهوى فيه تأويل وتقصير) انتهى كلامه رحمه الله تعالى وفيه إشارة من شيخ الإسلام إلى أثر الأهواء السياسية على مواقف بعض الفقهاء.
5- استغلال بعض الأنظمة لبعض الجماعات وعقد الصفقات معها مقابل تحقيق مصالح خاصة للجماعة اعتقادا منها أن هذه مصلحة للإسلام والمسلمين، مع أن هذه المصلحة الخاصة قد تكون ضررا على الإسلام والمسلمين، وقد أدت مثل هذه الصفات في أحيان كثيرة إلى اتساع الهوة بين الجماعات الإسلامية بل وانقسام الجماعة الواحدة بين مؤيد ورافض.
6- عدم وضوح رؤية صحيحة لواقع العالم الإسلامي والدولي يمكن من خلالها اتخاذ المواقف الصحيحة، ولا أدل على ذلك من وقوف بعض الجماعات الإسلامية مع صدام حسين في حربه مع إيران، مما أدى إلى أتساع الهوة بين هذه الجماعات والحركة الإسلامية في العراق التي بطش بها صدام وحزبه، خاصة المجازر التي ارتكبها في حق الأكراد، دون أن تستفيد هذه الجماعات أي مصلحة شرعية من هذا التأييد، إذ لم يكن العراق في حاجة إلى مثل هذا الموقف، لأنه أصلا مدعوم دوليا وعربيا، ومثل هذا كذلك أيضا تأييد بعض الجماعات له في حربه مع دول الخليج العربي واستغلاله لها لتحقيق بعض الدعاية الإعلامية.
7- عجز بعض الجماعات عن تطوير هياكلها التنظيمية وعجزها عن اشتراك القاعدة في اتخاذ القرار، وإشاعة روح الشورى الإسلامية مما افقدها قدرتها على مواكبة تطور الحياة، وكذا افقدها مصداقيتها في الدعوة إلى الحرية والشورى والمساواة، مما أدى إلى ترك كثير من الكوادر الحركية النشطة لهذه الحركات العاجزة عن استيعاب هذه الكوادر أو تلبية طموحاتها في أقامة المجتمع القدوة.
8- عدم وجود مجلس أعلى أو رابطة للحركات الإسلامية تعمل بواسطته على تقريب وجهات النظر وتحديد الأهداف وإزالة الخلافات الواقعة بين الجماعات والسعي لحلها أو تخفيف حدتها للحفاظ على الحد الأدنى من الوحدة الإسلامية.
هذه بعض صور الأزمة السياسية التي تعيشها الحركة الإسلامية والتي تعيق وحدتها وتحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث والله تعالى أعلم)!
انتهى ما جاء في ندوة المشكاة وكان من المشاركين فيها فضيلة الشيخ حامد العلي والشيخ جاسم الفهيد والدكتور وليد الطبطبائي، وهذا بعض مما قلته فيها سنة 1997م أي قبل خمس عشرة سنة، وكنت أؤمن بما قلته فيها قبل تلك الندوة بخمس عشرة سنة أخرى أي منذ سنة 1982م، حين اعتزلت الجماعات التي تربيت في محاضنها منذ سنة 1978م، وكنت في الرابعة عشرة من العمر، وما ذكرته في تلك الندوة لا يكاد يختلف عما كتبته وأكتبه اليوم اللهم إلا في تعميق الفكرة والاستدلال لها، فأرجو أن أكون اختصرت الطريق على من أراد الوقوف على بعض المحطات التاريخية لما أدعو إليه وأؤمن به، وأرجو ممن لديه أرشيف صفحة المشكاة في الوطن، أو له عناية بجمع مقالاتي تزويدي بها خاصة مقال (رقص في مدريد) حول مؤتمر مدريد للمصالحة العربية الإسرائيلية، ومقالي (أبرنس وجاسوس)، ومقالي في الرد على الدكتور عبد الله العمر سنة 1992م، وغيرها من المقالات المفقودة مما ليس في الموقع حتى يتم إدخالها وتصنيفها خدمة للقراء والباحثين..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق