الثلاثاء، 3 مايو 2011

أخطار وأبعاد : نظرية المؤامرة الموهومة أو المبالَغ فيها،

نظرية المؤامرة
كرستها كتابات كثيرة جعلت الواقع يبدو مستحيلا، وهي بدل أن تفضح مخططات الخصم حولته لوحش لا يقبل الهزيمة. جدار مصمت من الذكاء والشر غير قابل للتحدي.إن جوهرها يقول (أنج بنفسك واترك العمل فالشباك والشراك لا يفلت منها أحد) هي سلاح اخترعه بعض الصالحين بحسن نية أو قل بسذاجة متناهية، فأصبح هو أداة القعود. هو شكل من التهويل يقود للهلاك ولكن قلب نظرية المؤامرة لو خففناها لحدود العقل، هي أن الملعب مليء بالمصالح المتناقضة، وأن كل لاعب يخطط ويحتال ليفوز فريقه...د.جاسم سلطان


الخوف من الإسلام وتصاعد الأصوليات في العالم

    

كان لي شرفُ المشاركة في فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته السادسة والعشرين لعام 1432ه/2011م، وذلك ضمن الندوة الفكرية الكبرى تحت عنوان: (الغرب والخوف من الإسلام "الإسلام فوبيا")، وتقديم ورقة عمل في أحد محاورها تحت عنوان: (الخوف من الإسلام وتصاعد الأصوليات في العالم)، وذلك في قاعة المؤتمرات بجامعة الإمام.
وابتداءً لابد من التأكيد على أننا لا نعني بالأصوليات الأصول الدينية، وإنما هو مصطلح على التطرف الفكري والغلو السلوكي والإرهاب الميداني، وعلى هذا فمن المعروف أن هناك ارتباطا وثيقا بين الخوف من الإسلام بسبب التخويف منه، وبين تصاعد الأصوليات في العالم، وذلك بحيث يتم استغلال بعض التصرفات المتطرفة من بعض المسلمين بتهويلها والمبالغة فيها ومن ثم تعميمها على جميع المسلمين، وجعل الإسلام مسؤولاً عنها، كما أن الأصوليات لا تعني هنا الأصول الإنسانية كقوميات فقط وإنما تعني الأخطر وهي الأصوليات الدينية وتشظياتها نحو الطائفية والمذهبية، ووجود الأصوليات في سقف معين لا يشكل خطورة على المجتمع الإنساني والسلم الاجتماعي، والخوف الحقيقي ليس من أصولية بعض المسلمين، وإنما من تصاعد الأصوليات الأخرى التي تسعى في استفزاز وتصعيد هذه الأصولية الإسلامية، ومن ثم تنتقل من تبني الأصوليات إلى تصعيدها، ومن ثم تنتهي إلى تصادمها لتكوين النتيجة المطلوبة في تفريق المسلمين وضرب الإسلام.
وهذا ما نراه حقيقةً وليس من نظرية المؤامرة الموهومة أو المبالَغ فيها، في حين أن المتابع المحايد في العالم اليوم وطوال القرون الماضية لم يجد أن الأصولية الإسلامية قد اعتدت على الغير، في حين أن الأصوليات الأخرى هي التي اعتدت على بلاد المسلمين وانتهكت حقوقهم، وذلك بالاحتلال والاستعمار والحروب والابتزاز، وإلى اليوم لا نجد أن المسلمين في مربع (الفاعل) وإنما هم في مربع (المفعول به)، وحتى الأصوليات المتصاعدة اليوم يأتي غالبها بدعم خفي من الغرب أو الشرق الذي يقوم على سياسة (فرق تسد)، وإلا فما هو السر وراء عدم تصادم هذه الأصوليات في الغرب مع أنها أكثر عدداً وأعمق تاريخاً في الحروب التي وقعت بينها وذلك بخلاف الأصوليات المحدودة في البلاد الإسلامية وبين المسلمين؟!
وهذا معروف في التصعيد نحو التصادم فيما بين المسلمين كطوائف مثل الشيعة والسنة، وبينهم وبين غير المسلمين في البلاد العربية كما حصل في مصر مع الأقباط وفي السودان مع الجنوب وفي غيرهما من بلاد العرب والمسلمين، وكذلك نجد اليوم بأن إيران تثير الفتن الطائفية خارج أراضيها لمصالحها السياسية والقومية وذلك نحو تحقيق الأجندة الفارسية، في حين أنها تعيش على بحر من الأثنيات المتناقضة التي تفوق بكثير الموجود في البلاد العربية، ومع ذلك لا نجد التصارع فيما بينهم، ما يدل على عدم وجود أيادٍ خارجية تثير هذه الاثنيات كما يحصل في بلادنا العربية من قبل إيران وغيرها، وهكذا في تعامل الغرب معنا بحيث تثير الاثنيات في بعض الحالات لمصالحها، في حين أن المسلمين منذ مئات السنين وهم المظلومون في شتى بقاع الأرض، ولو رأيناهم في آسيا وأفريقيا فضلاً عن أوروبا نفسها كما حصل في البوسنة وكوسوفا وألبانيا لوجدنا بأنهم المعتدى عليهم.
وحتى لو نظرنا إلى جريمة الحادي عشر من سبتمبر والتي شجبها المسلمون عبر العالم لوجدنا أنها في سياق ردود الأفعال من أصولية إسلامية ضد أصولية أخرى انتهكت حقوق المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، ولذا وجدنا الرئيس الأمريكي يفلت من لسانه في حربه الانتقامية لهذه الجريمة بقوله إنها حرب صليبية، وهكذا أفعال وردود أفعال لا تقف عند حد معين إلا عند تحكيم العقل وتطبيق العدل. وبمقابل جريمة مانهاتن بنيويورك التي سقط على إثرها ثلاثة آلاف من القتلى المدنيين بيد تسعة عشر من المتطرفين الأصوليين- حسب المعلن عنه - والذين لا يمثلون دولة معينة أو دين الإسلام، فقد قابلها سقوط قرابة المليونين من القتلى والجرحى في أفغانستان والعراق وغيرهما فضلاً عن المعوقين والأيتام والأرامل وحتى اليوم، وذلك بسبب الدولة الكبرى في العالم، والتي بسببها تصاعدت الأصوليات في العراق بين القوميات حيث العرب والأكراد والأتراك وغيرهم، وبين الطوائف حيث الصراع بين الشيعة والسنة، وبلغ الأمر حد النصارى كما حصل في الكنائس، إضافة لما يحصل في أفغانستان وباكستان وغيرهما، ولأن تلك السياسات الغربية من مصلحتها بث الفتن القومية والطائفية لإضعاف العدو المفترض، وتسهيل السيطرة عليه وقيادته والتلاعب به؛ لذا فقد انتشرت هذه الفتن في البلاد التي قد تدخَّل فيها المحتل، ولكن ما أن يخرج من بلاد حتى يلتف أبناؤها ضد العنصرية والطائفية.
وقد كان من آثار تصاعد الأصوليات وتصارعها الكثير من الكوارث الإنسانية؛ حيث الحروب والدماء، إضافة لنكوص البعض إلى رد الفعل المتطرف في الجهة المقابلة نحو الإلحاد، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الكاتب (طارق علي) في كتابه (صراع الأصوليات) حيث اعترف قائلاً: (وتجنّباً لأي سوء فهم، لابد لي أنْ أعترف بالآتي: المعتقدات الدينية لم يكن لها أي دور في حياتي الخاصة، فقد كنت لاأدرياً منذ الخامسة أو السادسة من عمري، وعند بلوغي عامي الثاني عشر، صرتُ ملحداً مخلصاً وظللت كذلك منذئذ، على غرار الكثير من أصدقائي الذين كبرتُ معهم، ولكنني ترعرعتُ في هذه الثقافة التي أغنتْ حياتي، من الممكن جداً إذن أن يكون المرء جزءا من ثقافة معينة بدون أن يكون مؤمناً بالله)، وهذا دليل على أن التصارع بين الأصوليات من جهة قد ينفر البعض إلى الجهة الأخرى حيث الإلحاد، في حين أن الوسطية والاعتدال هما المطلب، فقد رأينا بأن القوميات والأديان وجميع الاثنيات تعايشت مع بعضها بسلام في بلاد الإسلام بشرط عدم تدخل اليد الخارجية، ومن أكبر الأدلة اليوم على ذلك أننا نجد في الغرب تعايشا سلميا وحضاريا بين مواطنيها والمقيمين على أراضيها مع تعدد أجناسهم وتنوع معتقداتهم ومع ذلك لم يحصل أي تصادم أو تصارع بينهم، وعليه فهل الإنسان الذي يعيش في الغرب يختلف عن الإنسان الذي يعيش في غيره، أم أن من واجبه في الغرب أن يتعايش مع الآخر، ومن حقه أن يعتقد ما يريده وينتسب إلى قوميته وبلا أي مصادرة؟ في حين أنه في الوقت نفسه لا يمكن أن يحصل هذا في البلاد الإسلامية اليوم بزعمهم وبسبب تدخلهم، ولذا فهذا دليل على أن الأيادي الخارجية المثيرة للفتن والمغذية للأصوليات والمحرّضة للتصادمات، والدافعة للصراعات هي السبب، ولكن من الموضوعية ألا نتهم الغرب دون غيره، فهناك الكثير من الدول تقوم بهذا الفعل كإيران وغيرها، وذلك إما لتصفية حسابات تاريخية وثارات قومية، أو لقصد إضعاف الخصم والسيادة عليه لمكاسب سياسية.
وهنا يحق لنا التساؤل عن السر وراء تصعيد حركة الأصوليات الدينية، وهل هي دفاع عن الدين أم أداة لمشروع الشرق الأوسط الجديد ومشاريع الغرب ضد المنطقة العربية والإسلامية؟
وللجواب عن هذا السؤال نحتاج لرصد دقيق وتحليل عميق بلا تهوين ولا تهويل، وذلك للوصول إلى حقيقة الظاهرة والأسباب الدافعة لها ومن يقف وراءها، والعلاج الممكن تحقيقه، ولا يعني أن نرمي بتقصيرنا وأخطائنا على الغير، ولكن يجب أن ندرك بأنه من الواجب علينا أن نبادر في الوقاية قبل العلاج، وقدرنا أن نعالج جراحنا بأيدينا، وبدلاً من أن يقوم المجتمع الدولي بالمساعدة إذ به في أحسن الحالات يقف متفرجاً إن لم يكن موقداً للحطب؛ حيث إن هناك دولا معروفة تشارك في إشعال النيران الأصولية لمصالح سياسية كإيران، في حين أن هناك دولا أخرى معروفة تشارك في إطفاء النيران الأصولية ولمصالح سياسية أيضاً كتركيا، وكأن الملعب العربي والإسلامي أصبح حلالاً للبعيد وربما المشبوه ، ومحرماً على القريب وصاحب الدار المخلص الأمين..

من يقف وراء تصاعد الأصوليات في العالم ؟

    امتداداً لما ذكرته في مقال الثلاثاء الماضي (الخوف من الإسلام وتصاعد الأصوليات في العالم)، فإنه لابد من معرفة الذين يقفون وراء تصاعد هذه "الأصوليات" الراديكالية، ولو رجعنا إلى الوطن العربي والإسلامي وخصوصاً الشرق الأوسط لوجدناه خلال القرون الماضية بلا أصولية متصاعدة فضلاً عن أن تكون متصارعة، ولكن اختلف الأمر عندما قامت الحربان الباردة والساخنة بين الأصولية الرأسمالية الغربية، والأصولية الشيوعية الشرقية، فتم النفخ في نار بعض الأصوليات الإسلامية التي كانت شاذة ومنبوذة بين المسلمين، وذلك لقصد توظيفها ضد المعسكر الأصولي
ليس من العقل والحكمة أن نرمي بأخطائنا على الغير، خصوصاً إذا كان هذا الآخر عدوا مشتركا ولا يهمه ظُلمنا ما دام الثمن من دمائنا وأرواحنا ومصالحنا، وإنما يجب أن نلوم أنفسنا ونعود إلى ذواتنا، ولا يمكن ذلك إلا بعد أن نعترف بأن عدونا قابع في داخلنا، وقبل أن نحارب شياطين الخارج فعلينا أن نتعقب شياطين الداخل القابعين في ذواتنا، ولن ننجح في مواجهة الخارج قبل أن ننتصر على أنفسنا.

الاشتراكي، ومن الحروب الساخنة ما حصل في أفغانستان، حيث إن ما يعيشه العالم خلال العقدين الأخيرين يعود في كثير منه إلى آثار تلك الحرب في أفغانستان، لكونها نفخت الأصولية الإسلامية حول العالم وجمعتها من بلاد المسلمين لهدف غربي، ثم بعد انتهاء المهمة تم تجاهلهم بل والسعي في إقصائهم وحربهم، ومن ثم تّم توظيفهم من بعض القوى لأجنداتها، كما حصل في الشيشان وغيرها كذلك، بحيث نجد أن هناك حقوقاً إنسانية لبعض الشعوب ولكن يتم دعمها لأهداف سياسية وذلك بدعم الأصوليين ولو كانت المواجهة غير متكافئة وتسبب الكوارث على تلك الشعوب التي يتم استغلالها بانتهازية لحساب أصوليات سياسية غربية أو شرقية، وقد عرف الجميع كيف كان المقاومون الشيشان يُدعمون من الغرب، وكذلك من بعض المتنفذين في روسيا لأهداف سياسية، ما يعني أن الأصوليات المنبوذة في تلك المجتمعات قد تم تسمينها ضد مصالح شعوبها ولمصالح من يقوم بدعمها واستغلالها بكل انتهازية وبلا أخلاق إنسانية، وعند الانتهاء منها يتم تصفيتها والقضاء عليها وفي أحسن الأحوال يتم تجاهلها لتبحث تحت ضغط الغربة عن ممول وموجه آخر بزعم تقاطع مصالحها معه، ومن ثم يأتي من يرمي التهمة على الإسلام والمسلمين وأنهم أصوليون ومتطرفون وإرهابيون!
وكذلك ما حصل في بعض البلاد العربية من دعم للأصوليين للوقوف أمام المعارضين لهم من اليساريين والقوميين والإسلاميين الوسطيين، وهكذا نجد في مجموعة من البلاد الإسلامية أنه يتم صناعة الأصوليات المتنوعة حسب المواصفات والمقاييس للنظام الحكومي وإقصاء الإسلام الوسطي المعتدل المتسامح، وذلك لتحقيق مصالح الأجندة السياسية للنظام، وسواء أكان الداعم من الداخل كنظام دولة، أم من الخارج لتسليطه على النظام، في حين أن الغالبية العظمى من العرب والمسلمين مستقلون ومعتدلون، وهم أول من يشكو ويتضرر من هذه الأصوليات التي نشأت ودعمت بيد أنظمة غربية وشرقية وأدواتهما المحلية، وبدلاً من أن يكون الدين مسالماً ومتسامحاً كما هي الحال عند عدم التدخلات؛ إذ به يتم توظيفه ضد الدين نفسه وأهله المعتقدين له، وذلك لأجندات غير إنسانية، وإن جاء تنظيم القاعدة على رأس هذه القائمة حين أصبح قميص التضليل في كثير من البلاد العربية لتغطية عمليات التفجيرات والاغتيالات وحتى التصفيات السياسية؛ إلا أن هناك جماعات يمينية في داخل تلك البلاد تقوم وفق أجندة مشبوهة لتحقيق أهداف سياسية في مصارعات فكرية وسلوكية وإرهابية بالوكالة عن الغير.
والدليل ما نجده اليوم من بعض الدول حيث تدعم بخفاء أصوليات متعددة مثل تنظيم القاعدة الذي أجمع السعوديون والعرب والمسلمون على كونهم (فئة ضالة)، والسعودية هي أكثر دولة تضررت منهم، وأكبر دولة واجهتهم وتصدت لهم وأفشلت مخططاتهم الداخلية والخارجية وبشهادات عالمية، وذلك بحرب مزدوجة وقوة ناعمة آتت أكلها بفضل الله تعالى ثم بفضل السياسة الحكيمة للدولة السعودية، وقد هوجمنا بهذه العمليات الإرهابية مع أننا بلادُ الحرمين وجزيرة العرب، وأصحاب لغة القرآن الكريم ومنطلق الإسلام والمطبقون للشريعة الإسلامية، فإذا كانت دولة الحرمين تلقت كل هذه الحروب الأصولية من قبل الفئة الضالة وهي رأس الأمة الإسلامية والعربية فكيف الحال بغيرها، بل نجد بأنهم قد ركزوا على هذه البلاد أكثر من غيرها، ما يعني أن هناك من يغذيهم ويوجههم ولو ضد نظرياتهم المتطرفة، وهذا دليل على أن هذه الأصوليات تتلاشى عندما لا يتم دعمها، ولكنها لا تنشط إلا عندما يتم استغلالها من أجهزة مخابرات لتحقيق أجنداتها، ولذا رأينا بأن القاعدة تنشط في عدة دول ومحمية ولها علاقات مع بعض الأنظمة، ما يؤكد الدعم المشبوه لهم، والغريب في الأمر أن من يدعمهم ليسوا من نفس عقيدة القاعدة وإنما من طوائف وقوميات أخرى ربما تكون القاعدة ضدها من الناحية النظرية إلا أن انتهازية الفئة الضالة لا تعجز عن تبرير ضلالاتها تحت الشعار الميكافيلي "تقاطع المصالح"، مع أنها تحقق مصالح الداعمين أولاً، ولذا رأينا كيف نشطت القاعدة في العراق وبدعم خفي من أجهزة خارجية، وكذلك في اليمن وإيران وباكستان وغيرها، وكل هذا يدل على أن الأصوليات الإسلامية على ندرتها وشذوذها إلا أنها منبوذة من المسلمين، ومدعومة من أعدائهم الانتهازيين.
ولذا كلما رأيت أصولية ناشطة ففتش حينها عمن يقف وراءها، لأن الأصوليات ضد الفطرة الإنسانية والأخلاق البشرية، وكما عاشت الأثنيات في أوروبا وأمريكا اليوم، ومن قبل في بلادنا العربية والإسلامية؛ فلماذا إذن لا يمكن أن تعيش اليوم مع بعضها في بلاد العرب والمسلمين، لولا أن هناك من يغذيها ويوجهها نحو تحقيق أجنداته؟
ونشاهد اليوم الفتن القومية والدينية والطائفية والمذهبية تنتشر بسبب انتشار الحركات الأصولية التي لبست لباس السياسة والثورة الحالية في الشعوب العربية، فنجد مثلاً أن هناك ثورات شعبية عامة وغير أصولية كما حصل في تونس ومصر وغيرهما، في حين أننا رأينا كيف تم انتهاز الفرصة من قبل حركات أصولية في بلاد أخرى لتحقيق أهداف فئوية وليست لعموم الشعب، ومن ذلك ما حصل في مملكة البحرين؛ حيث تم تغذية الأصولية الطائفية وذلك عبر أحزاب وتنظيمات دينية، ولتحقيق أجندات مذهبية وخارجية، ولذا شاهدنا في الوطن العربي أمراء في داخل الدول، وذلك كدويلات طائفية في داخل الدولة الوطنية كحزب الله في لبنان وأمثاله، وتجد أن كل أمير طائفي يتلقى موازنة إمارته الموعودة من قوى خارجية تعتمده كطابور خامس في قلب أمتنا العربية والإسلامية، كما رأينا القومية الكردية بأجندة خاصة نحو إقامة دولتها الموعودة، وظهر كيف تدخل الفرس من جهة والترك من جهة أخرى في قضايانا العربية، ولكن الفارسيين كانوا بطريقة عسكرية بالوكالة، والأتراك بطريقة سياسية بالمباشرة، وكأن مرابعنا العربية كلأ مباح لكل من هب ودب إلا لأهلها وذويها الذين تم اختطاف بعض أبنائها لتنفيذ تلك الأجندات، وكل مشكلة وراءها من ينفخ فيها، وفي الغالب هم من خارج حدودها، وعليه فاللوم على النافخ وليس على المنفوخ فقط، والأصوليات في غالبها لا تتحملها الأديان وإنما السياسات التي تغذيها لتستغلها بواسطة الفوضى الخلاقة بتوجيه الانتهازية الخارجية، والفوضى البنَّاءة بتنفيذ الأصولية الداخلية.
ولكن ليس من العقل والحكمة أن نرمي بأخطائنا على الغير، خصوصاً إذا كان هذا الآخر عدوا مشتركا ولا يهمه ظُلمنا ما دام الثمن من دمائنا وأرواحنا ومصالحنا، وإنما يجب أن نلوم أنفسنا ونعود إلى ذواتنا، ولا يمكن ذلك إلا بعد أن نعترف بأن عدونا قابع في داخلنا، وقبل أن نحارب شياطين الخارج فعلينا أن نتعقب شياطين الداخل القابعين في ذواتنا، ولن ننجح في مواجهة الخارج قبل أن ننتصر على أنفسنا، ويجب أن نعزم على تدارك تقصيرنا المؤسسي وضعف إعدادنا الاستراتيجي، وليس كل ما نحسبه نصراً للدين هو كذلك، فقد يكون الدين هو أول من يقاوم هذه الأصولية وذلك لكون تصاعدها ومن ثم تصادمها فتصارعها هو المعين على تفتيت اللحمة وتفريق الأخوة وتشتيت المحبة بين أبناء الوطن الواحد فضلاً عن أن يكونوا من دين واحد وقومية واحدة ومصالح مشتركة.
وأخيراً، أسأل الله أن يعم الأمن والسلام والحرية والعدل جميع البشر في كل العالم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق