الأربعاء، 8 أغسطس 2012

حكاية : العجوز ‘‘طائفية’’



(1)
يحكى أن عجوز شمطاء تدعى “طائفية” خرجت من كهفها على حين فتنة ثم تنكرت بزي صبية لتغوي العباد وتشيع في الأرض الفساد!
(2)
قال عنها حكيم القرية:  تلك العجوز التي شُبهت لكم بهيئة صبية لا نجاة منها ولا مفر … الناجي منكم من قدت قميصه من دبر!
ثم ابتلع الناس صوته وهو مازال يكررها: من قدت قميصه من دبر فقد نجا .. من قدت قميصه من دبر فقد نجا.
(3)
انتصب  كبيرهم في ساحة القرية مثل السهم المسموم ! يحذر أهلها من”طائفية ” لم يذكر شرها وخرابها وماذا فعلت بأمم سابقة , وكيف قسمت ظهر شعب واحد إلى شعوب ! لم يخبرهم أن تلك العجوز حرباء تتلون بحسب البيئة والظروف, لم يخبرهم بأن التعوذية المتدلية من عنقها الممتد عبر الأزمنة , إنما هي من صناعة إبليس الذي رفض الامتثال لأوامر الرحمن والسجود لآدم لأنه خُلق من طين وهو من نار ! لم يخبرهم بأن جنود ” فرق .. تسد ” تدربوا في كهفها لتنشغل الشعوب ببعضها عن توحيد أهدافها وهمها ! لم يتجرأ على فصل الأذناب القذرة عن الرأس السليم لينجوا الجسد! وإنما كان ينزه أصله وفصله وطائفته فكان يتلعثم كثيراً بين حرفي ” الذال و الضاد ” حتى خرج التحذير عدة مرات على هيئة تحريض ! كان يظن أن الحروف في منأى عن شعرة معاوية ولم يكن يعلم أن الحروف لما في الجوف فضاحة وإن أحسن تهذيبها.
(لستُ بفتنة إن اتخذتني غاية) هكذا بنت عشها في رأس كبيرهم فاحتضنها.
(4)
تزايد كلام أهل القرية حول “طائفية” وانصرف سوادهم الأعظم إلى التاريخ، يصولون ويجولون فيه، يأخذون منه ما يسدون به على خصمهم ويتجاهلون ما يقربهم لبعضهم، يقطعون لسان كل ورقة تاريخ تصرخ حسرة وألما على احتضانها لتلك الصبية، يتنافسون في إطالة رقابهم ويتناسون “طائفية” التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من موسم قطف الرقاب!
لقد تحولوا عن مواجهتها إلى معانقتها كما فعل كبيرهم فكانوا له من التابعين!
(5)
في دار الفطرة تجمع مجموعة من سكان القرية تحت ضوء فانوس زيته من شجرة لا سنية ولا شيعية، دخلوا إلى الدار بأوراق بيضاء بعد أن تجردوا من التاريخ الذي “تعلموا منه أن لا يتعلموا”! لقد فهموا أنهم إذا أرادوا أن يكتبوا السطر الأول من تاريخ وطنهم يجب أن يتحولوا إلى “نقطة” تقف عند أخر جملة صراع في كتب التاريخ بدلاً من بقائهم عالقين بين دفتي زمن، ماضي، وحاضر يرفض تجاوز الماضي، فيبقى الحاضر في حالة تيه عن دروب المستقبل.
“أصحاب دار الفطرة” أصبحوا في أعين أهل القرية “فتنة” إلا قليل منهم قد تحرروا من شرنقة كبيرهم الذي غشهم بورقة التوت!
 6)
تقول العجوز الشمطاء ” طائفية ” عقب هضمها للقرية لمن يشتهيها: لم أكن إلى النصر قريبة لولا قيام أهل القرية بابتلاع صوت حكيمهم وتعليق أصواتهم على حبال كبيرهم!
*****************************************************

لا تقرأ المقال إن لم تكن طفلاً!


كان ياما كان في عصر من العصور التي لم يبلغها إنسان هذا الزمان, كان الراعي يصرخ بقومه مُستنجداً بهم من هجوم الذئب على الأغنام وعندما هرعوا إليه وجدوه يتدحرج على الأرض من شدة الضحك لأنه نجح في الكذب عليهم ! كرر لعبته ثلاثة مرات في أيام أُخر حتى كُتب عند قومه كذابا وبليت حبال صدقه عندهم ثم أتى يوم وأصبحت فيه الكذبة حقيقة فلم يجد منهم مُنجد فأكله الذئب وعاث في الأغنام أكلاً وإفساداً وبقيت ملابس الراعي شاهدة على قصته.
( الحكاية برواية هذا الزمان  )
حفيد الراعي الذي أكله الذئب في الماضي كان يُقلد جده فصرخ بقومه مستنجداً بهم من هجوم الذئب على الأغنام وعندما هرعوا إليه ووجدوه من الكاذبين وتأكدوا من ملكيته للأغنام , لم يتضايقوا من كذبه وضحكه عليهم بل على العكس أخبروه بأنه سيد الظرفاء ليصبحوا من المُتسلقين المنافقين وعندما كررها عليهم صباح اليوم التالي أخبروه بأنهم وجدوا الذئب في طريقهم إليه فقتلوه فأصبحوا عند حفيد الراعي من المقربين ! ثم عاد إلى فعلها في اليوم الثالث فعادوا إليه متدحرجين على أعقابهم ترهق وجوهم ذلة “المصالح” فقال لهم:
- ألم تخبروني بأنكم قتلتم الذئب!
- مالك لا تؤمن بقتلنا للذئب ولو كنا صادقين!
- إذاً .. كيف عاد من جديد إلى أغنامي!؟
- ما رأيته أنت هو واحد من قبيلة الذئب الذي قتلناه بالأمس .. أتى من أجل الثأر  فلا تجزع إنا لهم بالمرصاد.
وعندها ابتسمت ذئاب حفيد الراعي الساكنة بكهوف نفسه وهم أيضا وصلوا  إلى غايتهم فيه وأصبحوا من المستنفعين من أغنامه بعد أن تحولوا إلى أغنام يهشها كيفما شاء !
( الوجه الآخر للحكاية  )
لو بحثتم في كتب الذئاب لوجدتم رواية مختلفة حيث تذكر مصادرهم بأن الذئب الجد لم يأكل الراعي الجد ! وإنما أحد الطامعين من أفراد قرية الراعي قرر أن يسرق الأغنام فاستخدم حيلة الراعي على نفسه فقتله ودفن جثته ثم ذبح بعض أغنامه لتصبح الجريمة كاملة وسرق ما تبقى منها ثم غادر إلى أرض لا يعرفه فيها أحد وهناك تزوج وأجنب وبنا له ثروة طائلة . طوال تلك الفترة كانت الذئاب تبحث عنه لتُظهر براءة والدهم من دم الراعي  حتى توصلت إلى مكانه وأرسلت إليه أحكمهم وأعقلهم وأكثرهم دهاء ! كان الذئب الابن  الحكيم على يقين بأن خسارته واقعة لا محالة في حالة المواجهة مع الذئب البشري! فقرر أن ينتزع الحقيقة بأنياب الحيلة وأخذ يجمع  خيوط أخباره ليصنع منها مصيدة له ! 
بالتأكيد أنتم تذكرون جيداً “حكاية ليلى والذئب” تلك الفتاة  الجميلة البريئة التي خرجت ذات يوم من منزلها حاملة سلة الكعك إلى جدتها الساكنة خلف الغابة وكاد أن يلتهمها الذئب بعد أن تنكر بزي الجدة ونام في فراشها لكن الصياد قتل الذئب وأنقذ ليلى وجدتها.
ليلى كما تقول القصة من زاوية “الذئاب” هي ابنة القاتل!
كان الذئب الابن يسترق السمع فسمع ليلى تخبر أختها بأنها ذاهبة إلى جدتها غداً صباحاً , وعندها تمخضت حيلة الذئب ! فتسلل إلى منزل الجدة وتنكر بلباسها ليس طمعاً في أكل ليلى بل لجعلها رهينة إلى أن يعترف والدها بجريمته . وصلت ليلى إلى الجدة وجلست بالقرب من فراشها ثم فتحت السلة التي بحوزتها وأخرجت منها ضفيرة ذهبية طويلة بطول عمر ليلى!
- … هذه ضفيرة ابنتك يا جدتي .. بالأمس قصتها أمي لتبيعها بثمن بخس وتبدأ رحلة جمع المال لتتخلص من ظلم والدي لها ولنا وقد أوصتنا بكتمان الخبر عنك خوفاً من خالي الصياد!
وقبل أن تسرد ليلى بقية الكلام , أجهش الذئب بالعواء دون وعي منه فسمع الصياد صوته وعاد مسرعا ليجد ليلى وجدتها التي كان يُخبئها الذئب داخل خزانة الملابس , واقفتان في وجه الصياد لحماية الذئب بعد أن شرح لهما حكايته لكن الصياد تمكن من إطلاق النار على الذئب فكانت وصيته الأخيرة : خٌذي يا ليلى فِرائي .. هو أغلى ثمنا من ضفيرة أمك!
(فاصلة)
للحكاية الواحدة.. أكثر من راوي، أكثر من زمن , أكثر من وجه , أكثر من مجرد حقيقة، أقل من مجرد كذبة! وحدها العقول المتحررة تستطيع السعي  بنفسها خلف الحقيقة! تحرر تلك العقول يبدأ من الطفولة.. تلك العقول الطرية النقية التي تُفاجئ الحكايات الصغيرة بأسئلة كبيرة لا يجب إهمالها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق